
محمد جمال الدين
ثورة 23 يوليو.. (وخناقة) كل عام!
قبل وبعد وأثناء كل ذكرى تخص ثورة 23 يوليو، تشهد الصحف والمجلات، وكذلك الفضائيات، معارك ومناقشات وجدال لا ينتهى، ما بين مؤيد أو معارض لهذه الثورة، تشتد الخلافات فى الرأى (طبعا) بعضها قد يؤدى إلى خصام الصديق لصديقه، وفى أحيان أخرى قد يفقده نهائيا، (هذا حدث وشاهدته بنفسى)، خلافات تصل فى بعض الأحيان إلى السب والقذف، وتسفيه واحتقار بعضنا لبعض، ولكن من المؤكد أن هذه الثورة المجيدة لا يمكن بأى حال من الأحوال أن ينكر المختلفون معها، فضلها على الشعب المصرى وعلى الأمة العربية، جل هذا أتفهمه وأعيه جيدًا.
ولكن الأمر الغريب والذى ما زلت فى حيرة من أمرى بشأنه، هو هذا الصراع والخلاف الموسمى الذى يتكرر سنويًا وتحديدًا عندما يحل ميعاد الذكرى السنوية للثورة، وبنفس الآراء والأشخاص، ونفس المناقشات والخلافات التى تتكرر دون أن يكون هناك جديد فيها.
فالبعض يقول أنها كانت بداية للتخلف وتزييف التاريخ والقضاء على أى أمل فى الحصول على ديمقراطية حقيقية، والبعض الآخر يؤكد أنها كانت البداية الحقيقية للقضاء على الجهل والأمية وتوزيع الثروات على جميع أفراد الشعب، هذا بخلاف القضاء على الاستعمار والإقطاع بجميع أشكاله وصوره.
ولكن لم نشاهد يومًا أحدًا من هؤلاء، سواء معارضين أو مؤيدين، من يحدثنا عن المستقبل وآفاقه العريضة ومصر الحديثة، ولم نجد أيضًا حتى من يحدثنا عن جديد لا نعلمه عن الثورة وظروف اشتعال شرارتها معتمدًا على منهج بحث حديث ودليل موثق لا يحتمل الخطأ أو التشكيك، فحتى اليوم ما زال هناك من يشكك فى بعض الأحداث، أو بمعنى أصح الروايات فى أمور كثيرة تخص الثورة وتخص من قاموا بها، مثل: هل تعمد السادات وزوجته الذهاب للسينما حتى لا ينكشف أمره فى حالة فشل الثورة، ومثل أزمة عام 1954 وعودة ضباط الجيش إلى ثكناتهم، وهى الأزمة التى نظر إليها البعض على أنها صراع بين الديمقراطية التى يمثلها محمد نجيب، والديكتاتورية التى يمثلها جمال عبدالناصر، ومثل حقيقة دور اللواء محمد نجيب فى الثورة وما حدث له عقب تقديم استقالته أو إقالته، وسعيه للقضاء على مجلس قيادتها، بعيدًا عن حكاية ولاء الرجل (نجيب) للملك فاروق، وعلاقته مع الإخوان والإنجليز، ومثل ما تردد عن إنفاق عبد الحكيم عامر على الثورة، وعلى الضباط المشاركين فيها وهل هى واقعة صحيحة وموثقة؟، وعن تجميع ضباط الثورة لاشتراكات للإنفاق على ما يستجد بشأنها من مصروفات، جميعها أمور وغيرها كثير لم يكشف بعد، وحتى ما كشف منها هل خضع للبحث والتوثيق من قبل متخصصين محايدين؟، مؤكد أنه لم يتم شىء من ذلك، وبالتالى لم يتبق لنا سوى خلافات فى الرأى تتجدد سنويا تتضح فى بعض المقالات بالصحف والجرائد، وفى بعض البرامج التى تذاع على الفضائيات مصحوبة ببعض الأفلام المحفوظة عن ظهر قلب عن الثورة ورجالها (رد قلبى، ناصر 56، والسادات وغيرها) فى الوقت الذى لم نجد فيه حديثًا قط عن المستقبل والتطوير فى التعليم والعلوم والصناعة والابتكار والتكنولوجيا.
كأننا أصبحنا أسرى للماضى ومدمنين للعيش فيه دون النظر للمستقبل، وهذا قال وهذا أيد وذاك عارض، دون أن نبحث عن حلول حاول ضباط الثورة الوليدة وقتها مناقشتها بكل جهد، للقضاء على الجهل والتخلف والخضوع الذى أورثنا إياه الاستعمار والبعض من كبار الملاك والموالين للملك، حلول عاجلة لجميع المشاكل والعقبات التى تواجه الشعب الذى قاموا بالثورة من أجله، مستخدمين فى ذلك طرقًا وأدوات غير تقليدية حسب ما كان متاحًا لهم وقتها.. وللأسف الشديد هذا ما نفتقده بشدة ولا نجده من هؤلاء المؤيدين أو المعارضين لثورة 23 يوليو، الذين ندعوهم، بل نطالبهم بترك الماضى والخروج من قوقعته، لينظروا فى شأن المستقبل والتنمية، وأعتقد جازمًا أن ذلك أولى وأجدر بالمناقشة والبحث بعيدًا عن أى أمور أخرى، لأن مصر تنتظر توحيد جل الجهود والأفكار لأجل الأجيال القادمة التى سعت ثورة يوليو لتوفير بيئة آمنة لهم، وهذا أحق أن يتبع خاصة فى هذه الأوقات الحرجة التى تمر بها مصر.. هذا هو ما تنتظره منا ثورة يوليو التى قال عنها الرئيس عبدالفتاح السيسى أنها «أكدت لجميع شعوب العالم وعى الشعب المصرى العظيم، ورغبته فى بناء مرحلة جديدة فى عمر الوطن قائمة على العدل والحرية والكرامة».
نعم، بناء مرحلة جديدة أمر ليس بالهين فى عمر الشعوب، مرحلة مطلوب فيها توحيد الجهود والعمل والصبر الآن وليس غدًا، حتى يستكمل شعبنا العظيم مسيرته التى استمد خطواتها الأولى من ثورة يوليو المجيدة.