الجمعة 25 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
صالونات تنويرية

صالونات تنويرية


عرف تاريخ الأدب الحديث الصالونات الأدبية التى كانت تقيمها نساء رائدات.. ولعبت تلك الصالونات دوراً مؤثراً ومهما فى تفعيل دور الثقافة فى المجتمع بإلقاء الضوء.. والاحتفال بإنتاج الأدباء والمفكرين.. وقد عرف العرب الصالونات الأدبية والندوات النسائية منذ عهود قديمة فقد اشتهر فى الجاهلية الخطباء والخطيبات والشعراء والشاعرات ومنهن «هند بنت الحسن».. وفى العصر الإسلامى كانت السيدة «عائشة» تحفظ الشعر وتتمثل به فى مجلس وعرف العرب.. كذلك ندوة «سكينة بنت الحسين» فى العصر الأموى ومنتدى «ولادة بنت المستكفي» فى قرطبة فى زمن العباسيين. وفى العصر الحديث عرفت مصر صالون الأميرة «نازلى فاضل» وكان من رواده الشيخ «محمد عبده» و «الزعيم» و«سعد زغلول» و«قاسم أمين» و«على يوسف» و «أحمد لطفى السيد» وآخرين من المهتمين بقضايا الإصلاح الاجتماعى  والسياسى وفى عام (1905) أقيمت ندوة.. «لبيبة هاشم» صاحبة مجلة الفتاة.. وذاع صيتها وكانت ندوة الآنسة «مى زيادة» أكثر هذه الندوات أهمية وأطولها عمراً لاستقطابها صفوة كتاب عصر التنوير على مدى عشرين سنة دون انقطاع حيث تبلورت النهضة الأدبية الحديثة فى عهد أولئك الكتاب الذين استناروا برسالة رواد عظماء حظيت بهم أمتنا فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر وقد قال «عباس العقاد» فى ندوة «مي» لو جمعت الأحاديث التى دارت فى ندوة «مي» لتكونت منها مكتبة عصرية تقابل مكتبة «العقد الفريد».. ومكتبة الأغانى فى الثقافتين «الأندلسية» و «العباسية».
ثم تسلم «عباس العقاد» الراية من «مي» بعد وفاتها وأنشأ صالونه فى منتصف الأربعينيات يوم الجمعة.. ويقول فى ذلك «أنيس منصور» فى كتابة مهم عنه.. «فى صالون العقاد كانت لنا أيام»: كانت رحلتنا إلى بيت العقاد تبدأ يوم الخميس فنظل نتحدث عنه وعن ندوته السابقة ابتداء من يوم الخميس.. ثم نمشى على أقدامنا إلى مصر الجديدة تماماً كما كان يفعل الحجاج عندما يسافرون من المغرب إلى الأراضى المقدسة ويكون المشوار حديثاً عن العقاد حتى نراه ونسارع ولا نرى أى معالم لهذا الشارع حتى أننا لم نعرف شكل البيت ولا المدخل ولا عدد السلالم التى نصعدها إلا بعد سنوات طويلة فلم نكن نرى أو نسمع.. إنما ندخر الرؤية للعقاد.. وندخر السمع للعقاد.. وقد كان رأسى مثل راديو صغير مضبوط على موجة واحدة فالمؤشر لا يتحرك إلى محطات أخري.. فلا محطات أخري.. إنه العقاد..   وهكذا يكفي..
وشهد الصالون قصة حب «العقاد» لـ «مي» التى عرض عليها الزواج لكنها رفضت لاختلاف ديانيتيهما وانتهت علاقتها به بعد صدمتها لاكتشافها خيانته لها مع «سارة» حيث ذهبت إليه فى مكتبة بالجريدة التى كان يعمل بها وأعادت له رسائله فبكى بين يديها طالب المغفرة ولكنها أبت واتصرفت فى كبرياء.. وعندما ماتت كتب فى رثائها واحدة من أهم قصائده التى يقول فيها: رحمة الله على «مي» خصالاً / رحمة الله على «مي» سجالاً / رحمة الله على «مي» جمالاً..
ولا شك أن المفارقة الصارخة التى تبرز معلنة عن نفسها دون حاجة إلى استقراء ناقد أكاديمى أو استبطان مفكر أريب تتمثل فى ذلك النكوص الذى مازلنا نعيشه الآن ومنذ الأعوام الثلاثين بحكم مبارك مروراً بسرقة قراصنة الإخوان لثورة يناير والوصول إلى السلطة فى مشهد عبثى ليس له نظير فى التاريخ .. لكن رغم رحيلهم بفضل ثورة 30 يونيو فإن تأثيرهم فى المناخ العام وفى نفوس البسطاء مازال يلقى بظلاله على المجتمع..
هذه المفارقة بين استنارة مجتمع تعيش فيه المرأة سافرة حرة الإرادة .. تنعم بالمساواة مع الرجل وتشارك فى بناء الوطن وتدعم مسيرته الثقافية والسياسية والفكرية .. وبين تكفيريين يكرهونها ويزدرونها ليل نهار .. ويخصونها بفتاوى شاذة متخلفة نعتبرها عورة مكانها البيت خادمة ووعاء للإنجاب وجارية لا تخرج منه إلا إلى القبر ..
وحسناً ما نشرته «روزاليوسف» فى عددها السابق مبشرة بأن مجلس النواب سوف يبدأ بمناقشة تنظيم الفتوى العامة لمواجهة الفتاوى السامة والتى تصدر من التابعين للتيار السلفى وتسيء إلى صورة الإسلام الوسطى .. حيث لا توجد دولة فى العالم تعانى من فوضى وعشوائية الإفتاء كما هو الحال عندنا .. وخاصة فيما يتصل بالفتاوى التى تناصب المرأة العداء وتحط من شأنها .. وتقذف بها خارج التاريخ.