«فاريا ستارك» والإخوان (11) البنّا: المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسيًا
فى جنازة «النقراشي» هتف شباب الحزب السعدي الذي كان يرأسه «الثأر الثأر»، وكعادة الإخوان أصدر «البنّا» البيان الثانى فى هذه الحادثة والذي عنونه بـ «بيان للناس» استنكر فيه اغتيال النقراشي وبيّن فيه حقيقة الدعوة الإسلامية التى يزعمها ويقول إنها بعيدة كل البعد عن السياسة وذكر فيها أن دعوة الجماعة هى إعزاز للدين ومقاومة الإلحاد والإباحية والخروج عن أحكام الإسلام وفضائله، ونفى أن تكون الجريمة والإرهاب والعنف من وسائل الدعوة، وفى النهاية ناشد الجميع أن يتعاونوا على استتباب الأمن والاستقرار، لقد اعتقد البنّا أن هذا البيان سوف يعفيه أو يخيل للآخرين أنه ليس محرضا للاغتيال ولا جماعته هى المدبرة، ولكن ثبت من التحقيقات مع القاتل أنه يدافع عن الإخوان وأنه أحد مؤيديهم حيث قال فى التحقيقات: «لقد قتلت النقراشي لأنه حل الجماعة وسجن أعضاءها وأخذ أموالهم وقضى على قيام دولة إسلامية وجلس مع إسرائيل فى المجتمعات الدولية»..انتهى كلام القاتل ليثبت بالقطع أن محرضيه هى تلك الجماعة، والأكثر من ذلك أن فى كتاب أحد رموز الإخوان الذين فروا إلى الكويت فى عهد الرئيس عبدالناصر ويدعى «توفيق الواعى» ولنا كلام عن هذا الشخص باستفاضة فى مقام آخر لكنه زميل وصديق حميم للقرضاوي، قال الواعى فى كتابه «الفكر السياسي المعاصر عند الإخوان» والذي صدر فى 2001 بالكويت ويعتبر الكتاب الأهم والكاشف لفكر الإخوان ودولتهم المزمعة، يذكر الواعى أن البنّا قال «من ظن أن الدين أو بعبارة أدق الإسلام لا يعرض للسياسة أو أن السياسة ليست من مباحثه فقد ظلم نفسه وظلم علمه بالإسلام، ولا أقول ظلم الإسلام فإن الإسلام شريعة الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فلا تقوم الدولة الإسلامية إلا على أساس الدعوة، وأن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسيا بعيد النظر فى شئون أمته مهتما بها غيورا عليها وأستطيع كذلك أن أقول إن هذا التحديد والتجريد أمر لا يقره الإسلام، وأن على كل جمعية إسلامية أن تضع فى رأس برنامجها الاهتمام بشئون أمتها السياسية وإلا كانت تحتاج هى نفسها إلى أن تفهم معنى الإسلام».
انتهى كلام البنّا الذي استبدل أن المسلم يكون مسلما بعد نطق الشهادة ليتعدي على أركان الإسلام الخمس والحدود التى ذكرها الله سبحانه وتعالى ويفتى بأن المسلم لن يكون مسلمًا إلا إذا كان سياسيًا، و طوال عشرين عامًا كان فيها مرشدًا لتلك الجماعة يتلاعب بكونها جمعية دعوية تدعو لمكارم الأخلاق وليس لها باع بالسياسة من قريب أو بعيد لتسقط أقنعته فيما تقوم به جماعته مع الحكومات المتعاقبة سواء الملكية أو الجمهورية لتطالب بأن تكون ذراعًا سياسية تطمح للسلطة والمصلحة وليس مكارم الأخلاق التى هى بعيدة عنها تمامًا …
وظل البنّا بعد اغتيال النقراشي يعيش فى رعب من جراء ما فعله وحرض عليه، وفى هذا يقول اللواء «صالح حرب» رئيس جمعية الشبان المسلمين وقتذاك: ومن شدة خوف «البنّا» من أن يتوعده أقارب أو أصدقاء من قتلهم أو الثأر الذي هدده به شباب حزب السعديين، كان شقيقه «عبد الباسط البنّا» وهو ضابط بوليس يرافقه لتوفير الحماية له خاصة بعد أن سحبت الحكومة المسدس المرخص من البنّا، وفى يوم 12 نوفمبر 1949 عندما كان البنّا خارجا من مقر جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة فى حوالى الساعة الثامنة مساء طلب من أحد السعاة أن ينادي له على تاكسي وبمجرد ركوبه انقض عليه شاب وأخذ يطلق عليه الرصاص ولكن البنّا تمكن من النزول من السيارة وجري خلف القاتل الذي ركب سيارة كانت فى انتظاره وتم نقل البنّا إلى مستشفى قصر العينى وهناك فارق الحياة وترك جماعته لم تفارق الحياة بعد لتبث الإرهاب والدمار والخراب …
رحل البنّا بعد أن ترك ركائز للإخوان يلعبون من خلالها فى جغرافية وتاريخ وهوية الدول العربية والإسلامية وكان أولها جامعة الدول العربية وبروز أمينها الأول «الإخوانى عبدالرحمن عزام» الذى زرعته بريطانيا على رأس الجامعة ليمكن الإخوان من دول المنطقة كلها وفى هذا تقول فاريا: «كنت أنا وصديقى نوري باشا وآخرون نتوقع تشكيل اتحاد عربى بعد الحرب «تقصد الحرب العالمية الثانية» لكن لم يكن أحد يعرف على وجه الدقة ما إذا كان ذلك الاتحاد أملا من جانب نوري فى سوريا موحدة ولبنان وفلسطين وشرق الأردن مع حكم شبه ذاتى لليهود فى فلسطين أم أنه سيكون جامعة عربية بقيادة مصر، ولأن العداوة بين العدوين اللدودين الهاشميين والسعوديين لن يجعل الأمر سهلا وعليه لا يمكن أن يكون هناك استقرار مطلقا ما لم تتم مواجهة مسألة مصير اليهود وإصرارهم الحماسي على أن تكون لهم دولة، وهذا تخيل مبدع منى» انتهى كلام فاريا لينتج التخيل المبدع فى إنشاء جامعة دول عربية على رأسها إخوانى والزج بالعرب فى حرب غير مستعدين لها فى عام 48 لتضيع فلسطين وتُنشأ إسرائيل. «يتبع»…