الجمعة 11 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
الفتاوى تستقيل

الفتاوى تستقيل


ما زالت فتاوى التكفيريين تطلق سهامها المسمومة فى الفضائيات وجميع وسائل التواصل الاجتماعى بكثافة، وغزارة، وتَلاحق، ودأب متواصل، وكأنهم يهدفون بفخر وإيمان وزهو إلى ردة حضارية تشملنا جميعًا.. ويحاولون جاهدين إلى عودتنا إلى عصور أهل الكهف والتطرف الدينى وازدراء الآخر.. وجرائم التكفير والتحريم والإقصاء.. وتلك الفتاوى الشاذة التى تطفئ شموع الاستنارة وتلفظنا خارج التاريخ.. وقد بدا تغييب العقل فى أجل صورة واضحًا فى تلك الفتوى التى تجيز جواز الأجنة فى بطون الأمهات.
هذه الفتوى الملتاثة تشى.. بل تكرس بوضوح لا لبس فيه لشيوع خصائص ذلك التراجع المفزع الذى نعانيه والذى يتحدد فى رفض المنطق العقلانى.. والتفكير بالتمنى وليس بالعمل.. واجترار الماضى السحيق للتكريس للأوهام.. والخزعبلات.. ومعاداة العلم والحداثة.
والسؤال الذى يطرح نفسه بقوة وتحتاج الإجابة عنه إلى دراسات جادة ومتأنية هو لماذا تزداد تلك الفتاوى غلوًا وتطرفًا وتتصاعد إلى درجات عبثية من التشدد الغرائبى الذى يثير السخرية والتى تشمل أدق تفاصيل الحياة اليومية للناس وخاصة فيما يتصل بأمور غرائزية لها علاقة بالجسد الإنسانى فى ممارساته الفسيولوجية فتكثر فتاوى التحريم القاسية والشاذة فى شهر الصيام المبارك والتى بدأت ببلع الريق ومضغ اللبان.. انتهاء باستخدام الحقنة الشرجية وشطاف الحمام.. أو كما أفتى الشيخ الأزهرى «أنس السلطان» أن أى شىء يدخل إلى جسد الإنسان سواء من فمه أو دبره بالنسبة للرجل أو من فرجها بالنسبة للمرأة أو من الأنف أو الأذن فهو يفسد الصيام ويتسبب فى إفطار الإنسان.
والحقيقة أنه جذب انتباهى فى هذا المضمار ما كتبه «د.أحمد زايد» بمقال فى الأهرام يتصل بالتفسير النفسى لتلك الظاهرة التى ينشط فى إثارتها وتنميتها تجار الدين.. ومدى إدراكهم لسيكولوجية المتلقين طالبى الفتوى وازدياد نسبتهم بشكل ملفت فى السنوات الأخيرة مما استدعى إنشاء أكشاك للفتوى فى محطات المترو.. والرأى يمكن تلخيصه أن المبالغة فى طقسية الأداء الدينى الولوج إلى دوائر التصوف أو إلى دوائر الخرافة والشعوذة.
يزخر هذا المجال بكثير من النقد والتحذير والتخويف يذكر الناس دائمًا بأن إيمانهم ناقص.. ويشيع دروبًا من القلق على الحياة والمستقبل والمصير فى الحياة الدنيا.. وفى الآخرة تعمل بدورها على خلق نمط من التدين أكثر ارتباطًا بالخوف وأكثر ابتعادًا عن الإحساس بالأمن والطمأنينة.. والمضحك فى الأمر أن هذا الإحساس المفزع بالخوف يتناقض تناقضًا صارخًا مع أبسط القواعد العلمية ويدركه طلبة المدارس الإعدادية وربما الابتدائية والتى تؤكد أن مياه الشطاف لا تصل إلى المعدة.. لكن دار الإفتاء لا تعتد إلا بآراء علماء الدين فأدخلوا الناس فى دائرة القلق والتوتر والحيرة والارتباك بتصريحاتهم أن بعض العلماء يؤكدون أن استخدام الشطاف يفسد الصيام.. وبعضهم قال عبر موقع دار الإفتاء أن الرأى الأرجح فى المسألة أن استخدام الشطاف فى نهار رمضان لا يبطل الصيام شريطة أن يحتاط الشخص الذى يستخدمه وألا يدخل الماء إلى المعدة.. أو البحث عن وسائل أخرى.. المهم أن قلق طالب الفتوى – كما يرى «د.زايد» يساعد على انتعاشه وانتشاره الوسائط المعيشية للناس.. فدروب المشقة التى يعانيها جموع البسطاء تخلف بدورها بيئة لتوطين القلق الوجودى فى نسيج الحياة الدنيا.. لذلك فنحن لا نملك فى النهاية إلا أن نرحب باعتذار أحد أقطاب تيار الدعاة المتشددين «عائض القرنى» فى المملكة العربية السعودية عن كثير من فتاوى الإرهاب والتكفير والتدين الشكلى فى مناهضة العلم والوسطية فى الدين السمح وقد سبق أن ساهم عقودًا فى تكريس تلك المفاهيم الرجعية المتشددة مع قيادات الصحوة الإسلامية.. وهو يقدم اعتذاره بالنيابة عنهم على الملأ.
والاعتذار يحمل فى طياته دعوة فى الاتجاه الصحيح نحو التنوير والتحضر والتطور.. نأمل أن تنعكس على مصرنا الحبيبة.. وخاصة أن مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية رحب فى بيانه الرسمى بهذا الاعتذار.. وهو ما يتفق مع ما نادى به الرئيس «عبدالفتاح السيسى» بتبنى مشروع تنويرى جاد يعتمد على العلم والعقل والتجديد وإطلاق سراح النص الدينى بعيدًا عن تأويلات وجمود الفقهاء.