الجمعة 25 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الدرجة الثالثة.. والضمير الوطنى

الدرجة الثالثة.. والضمير الوطنى


«تبرعوا لحضور مباريات منتخب مصر فى بطولة أمم أفريقيا».
هذه لافتة يحملها مواطن فقير فى كاريكاتير رسمه الفنان المبدع «عمرو سليم» فى جريدة «المصرى اليوم».. ساخرًا من ارتفاع سعر تذكرة الدرجة الثالثة فى بطولة الأمم الأفريقية القادمة التى تقام على ملاعب « مصر» فى يونيو القادم..
والحقيقة أن المواطن المصرى البسيط والذى يمثل طبقة عريضة من جماهير يعدون بالملايين من محدودى الدخل، ومن الفقراء وضحايا الطبقة المتوسطة المندحرة والمتآكلة.. وقد ظلوا يتحرقون شوقًا ولهفة فى انتظار عودة الجماهير إلى المدرجات بعد توقف مسابقة الدورى العام عقب مجزرة الدفاع الجوى فى يوم الأحد الدامى والتى أدت إلى مقتل 20 مشجعًا من جماهير الزمالك (وايت نايتس) قبل انطلاق مباراة الفريق أمام (إنبي) .. وتضاربت التصريحات والآراء والتحليلات والمناظرات والأقوال والتوصيات وقتها بقيادة الخبراء الجهابذة والمحللين الحنجوريين والرياضيين النخبويين والصفوة الاستراتيجيين، أجمع بعضهم على الرفض البات الجامع بعودة جمهور الملاعب إلى المدرجات بل إنهم دعوا إلى توقف نشاط كرة القدم تمامًا، فليس بكرة القدم وحدها يعيش الإنسان.. يمكن الاكتفاء بالرياضات الراقية التى يلعبها البورجوازيون الودعاء مثل الجولف والكروكيه وكرة الماء والشيش والتنس والبنج بونج.. وهم يستندون فى تحليلاتهم اللوذعيه إلى نظرية «المؤامرة» تلك التى تنسج خيوطها الخسيسة حولنا.. فأمريكا تحرض داعش.. وداعش تدفع الإخوان.. والإخوان يكرهون الوطن والشرطة والجيش والسيسى والحياة.. فيخترقون «الالتراس» ويتنكر أفراد منهم بارتداء ملابس الشرطة وقتل المحتجين.
وآخرون يصيحون فى غضب مؤكدين أن الجمهور هو روح ملاعب الكرة وعقلها وكل كيانها.. ما هذا العبث؟ وهل توقفت الحياة الرياضية وكرة القدم فى إنجلترا وإيطاليا؟ يوم سقط (39) قتيلًا فى مباراة لـ« يوفنتوس» «وليفربول»؟ لم يحدث على الإطلاق.. وهل تتوقف السياحة ومشاريع التنمية والمصانع وحركة الاقتصاد والاستيراد والتصدير والزراعة والفن.. والمسلسلات.. وتغلق دور السينما والمسارح أبوابها بسبب القنابل والإرهاب؟.. إن التوقف معناه خوفنا من الإخوان.. ومن التنظيمات الإرهابية.. وعدم قدرة الأمن على السيطرة وفرض الأمان.. إنه من العار على دولة كبيرة مثل «مصر» أن يفرض فيها الإرهاب سطوته على حاضرها ومستقبلها.. إننا بذلك نعلن بوضوح فزعنا.. واستسلامنا لقوى الظلام والتدمير.
المهم أن الدولة فى لحظة مباركة أنهت هذا اللغو والجدل المتشابك بمجرد تنظيمها للبطولة الأفريقية على أرضها.. فاستبشرت الوجوه العابسة.. وأطلت تباشير الأمل الرقراق فى الأفق السعيد.. وعمّت الفرحة وبدأ العامة الاستعداد فى مرح خلاب للحدث الكبير.. وبدت ملامحهم الجهمة تتجاوز الأحزان الرابضة فى القلوب.. وتستعلى على الاكتئاب المترسب فى تلافيف العقول التى أنهكها الزمن الصعب بالعطايا وبالسعادة التى كانت قد توارت فى واقع طارد للبهجة والتفاؤل.. وشمل الاستعداد شراء كميات من اليوسفى والبرتقال واللب والسودانى والمحمصات والتى شيرتات بأرقام النجوم اللامعة.. وأغطية الرأس الواقية.. وزجاجات المياه المثلجة والأعلام المرفرفة لمصر الغالية.. فكرة القدم تمثل بالنسبة لهم تاريخًا عريقًا يمتد منذ عشرينات القرن الماضى.. واللعبة تسكن فى أعصابهم وتسيطر على مشاعرهم.. وتنفث عن غضبهم.. وهى تنتصر لهم أو بالنيابة عنهم فهى تعويض عن هزائم الواقع وإحباطات الأيام.. وتسلط الأقوياء.. وقهر السادة.. والخوف من المستقبل.. وعزاء لأحزانهم.. وتجاوز لآلامهم.. وتمثل صبرًا على المكاره.. واحتمالًا للغلاء والعوز والمرض والديون ونكد الزوجات.
و.....أعلن أخيرًا رئيس لجنة التذاكر فى اللجنة المنظمة لكاس أمم أفريقيا.. انتهاء اللجنة من العمل على تحديد أسعار تذاكر مباريات البطولة وبشرنا سموه أن الأسعار المطروحة جاءت بعد دراسة وافية لجميع الجوانب إذ تهدف إلى جذب عدد كبير من الحضور للقاءات بالإضافة لمباريات المنتخب المصرى.. وبالتالى فقد تم تحديد سعر تذكرة الدرجة الثالثة بمائتى جنيه رأفة بمحدودى الدخل.. وبقوى الشعب العاملة.. وهى تضحية كبيرة يقوم بها «اتحاد الكرة» الرحيم بالمطحونين والغلابة بدافع الضمير الوطنى.. والإنسانى فينبغى علينا أن نرد له الجميل الذى يطوق أعناقنا بالدعوة إلى حملة يقوم فيها المواطنون الأوفياء برفع لافتات التبرع لحضور المباريات.. وبذلك تتحول نكتة «عمرو سليم» إلى حقيقة.
وكل عام وأنتم بخير