الجمعة 25 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
سيبها تعنس

سيبها تعنس


استمرارًا لتلك النداءات التى تنتشر على صفحات التواصل الاجتماعى على هيئة حملات تجابه موجات غلاء الأسعار وجشع التجار«سيبها تصدى- سيبها تعفن» استلفتتنى نداءات فظة قد تحمل معانى يأس وإحباط لشباب يعانى من عدم قدرته على الزواج بسبب أزمة الإسكان والتكاليف من شبكة ومهر وخلافه.
 النداءات هى «سيبها تعنس» التى تسيء إساءة مباشرة لفتيات فقيرات وربما أيضًا دميمات تزداد تقلص فرص الزواج بالنسبة لهن وتتكالب عليهن محن العوز مضافًا إليها تواضع الجمال فسدّت فى وجوههن أبواب الأمل .
حادثتنى مؤخرًا فتاة دميمة تطلب منى انتشالها من عذابها الذى أوصلها إلى الاكتئاب والرغبة فى الانتحار، فقد بلغت الأربعين ولم يقترب منها رجل واحد يطلب منها الزواج وكأنها المستهدفة أو النموذج المجسد لتلك الحملة الغليظة، فالجميع يسخرون منها ويجرحون مشاعرها بتعليقاتهم القاسية فلما سألتها كيف يكون رد فعلك تجاههم قالت أتعامل معهم بحدة وعدوانية وأرد لهم الصاع صاعين بل تكون فى كثير من الأحيان هى البادئة بالعدوان.
قلت لها: أوافقك تمامًا على بشاعة وعدم إنسانية تلك الحملة السيئة وتأثيرها النفسى بالغ الضرر والخطورة لمن هن فى مثل ظروفك، لكن هناك بعدًا آخر لاعلاقة له بالمشكلة المادية والاجتماعية أرى أنه هو سر تعاستك.. فقبحك الحقيقى ليس فى ملامحك بل فى روحك.. وضربت لها مثلاً بـ «تولستوي» الروائى الروسى العظيم الذى كان دميمًا مثلها.. لكن روحه جميلة فأضاء وجهه بالجمال وأحبه كل الناس وأحاط به المعجبون فى كل مكان.. ويقول الكاتب الكبير «رجاء النقاش» فى كتابه «عباقرة ومجانين» أن «تولستوي» استطاع أن يخطف إعجاب الحسناء «صوفيا» التى فتنها كل شيء فيه ولم تشعر لحظة واحدة أنها يمكن أن تخسر شيئاً إذا تزوجت من هذا العبقرى المحبوب صاحب الشخصية الفاتنة والوجه الدميم.
ومرت سنوات طويلة بعد الزواج كانت كلها مليئة بالسعادة الغامرة والنادرة التى كان ينعم ويتغنى بها الزوجان معًا.. فقد كانا يشعران بالنشوة والفرح.. وكانت حياتهما تنتقل من نجاح إلى نجاح ومن تألق إلى مزيد من التألق خاصة بعد أصبح الزوج واحدًا من الرجال المعدودين فى عصره.. وأصبح شخصية عالمية مرموقة يقصدها الناس من كل بلاد الدنيا طلبًا للتعرف عليه.. والتعلم منه.. وفهم أفكاره الإنسانية العظيمة..
أما «صوفيا» فكان «تولستوي» يتحدث عنها بزهو وامتنان بالغ وتقدير كبير.. ويؤكد أن حبها له شمل كيانه كله سعادة وإقبالاً على الحياة.. وكان دائمًا يعمل جاهدًا أن يكون جديرًا بحبها.. بل إنه أنجب منها ثلاثة عشر طفلاً.. ولم تصده يومًا عن رغبته فى أن يكون له أطفال كثيرون فهو مثل سائر الفلاحين يحب الأطفال وكثرة الإنجاب.. وافقت على ذلك رغم ثقافتها وإجادتها عدة لغات غير الروسية شأنها فى ذلك شأن بنات الأرستقراطية الروسية فى ذلك الحين.. وقد ساندته كثيرًا فى عمله فكان يملى عليها مؤلفاته.. وهى تبذل جهدًا كبيرًا لنسخ مسوداته وإعدادها للنشر.. كما كان يستشيرها فى رسمه لبعض شخصيات رواياته وبعض الأحداث الرئيسية   والصراع الدرامى والجو النفسى والاجتماعى المحيط وأسلوب السرد.
واستمر الأمر بين الزوجين على هذه الصورة السعيدة من التفاهم والتعاون والنشوة المشتركة.. ومضت الحياة بهما فى جو من البهجة لمدة تقترب من أربعين عامًا متواصلة.
وقد يحلو لبعض الأدباء والنقاد أن يتحدثوا عن الانقلاب والتحول الذى أصاب «تولستوي» فبدل تلك العلاقة من حال إلى حال ويسرفوا في التفسير الساخر الذى يؤكدون من خلاله أن «المرأة هى المرأة» وأن البعد المادى تدخل ليفسد تلك العلاقة.. فالمرأة كائن واقعى مادى و«تولستوي» كان رومانسيًا واهمًا.
ذلك أنه حينما بلغ السبعين من عمره أراد أن يوزع ثروته كلها على الفلاحين.. فحاولت منعه بكل قواها.. وتصورت أنه أصابه مس من الجنون حيث أصبح يرى أن العمل اليدوى هو الشيء الوحيد الذى له قيمة فى هذه الحياة.. أما الأدب والفن وما إلى ذلك فهى أمور لا نفع ولا أهمية ولا قيمة لها.. ومن أقواله فى تلك المرحلة أن أى «جزمجي» أنفع للحياة والإنسانية من «شكسبير»..
لكنه حينما هرب من بيته ذات يوم.. وركب قطارًا من غير هدف واضح استأجرت قطارًا خاصًا لتلحق به.. وعرفت مكانه.. ولكنه أصر على موقفه.. ومات فى الثانية والثمانين.. وعاشت من بعده تدافع عن نفسها ضد اتهامات الناس لها بأنها كانت مصدرًا للعذاب الكبير الذى تعرض له زوجها العبقرى العظيم.
إنى أميل إلى تفسير موقفها بأنه موقف المُحبة التى أرادت الدفاع عن حياتها السعيدة معه والتى أرادت ألا يصيبها ما يعكرها وليس تفسير الطامعة فى ماله.. وإلا ما كانت واصلت الارتباط به تلك السنوات الطويلة تربى أولاده وتعاونه فى حياته الأدبية معاونة شاقة.
لقد هرولت خلفه لأنها لم تكن تتصور أبدًا أن تفقده وتفقد الحب الكبير الذى يربطها به.
قلت فى النهاية للمعذبة التى حادثتنى أن الحب سوف يطهر نفسها من كل الأدران ومن كل المشاعر العدوانية والسلبية والضارة ويجعلها تنظر إلى الحياة من منظور مختلف.. بتسامح مع البشر ويتقرب فى دفء وحميمية وانسانية منهم ويبادلهم تعاطفًا بتعاطف..ويشاركهم أحلامهم وأفراحهم وأتراحهم.
افتحى قلبك للحب.. الحب الإنسانى المفعم بالعطاء وإنكار الذات والرغبة الصافية فى معانقة الحياة.. عندئذ سوف تحصلين على هدايا السماء.. تحصلين على الجمال الحقيقى.