الجمعة 25 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رأى «العقاد» و«سيد قطب» فى المرأة

رأى «العقاد» و«سيد قطب» فى المرأة


إن وظيفة المرأة المصرية -كوظيفة كل امرأة فى وضعها الطبيعى- هى تكوين المنزل وتنشئة الطفل.. وبالتالى إنشاء المجتمع فى صورته المصغرة «الأسرة».. ولست أدرى أن هناك تبعة أعظم من تبعة المرأة فى هذا الوضع الجميل ولا أستطيع أن أتصور وظيفة أخطر من هذه الوظيفة أو خطأ أشد من خطأ الذين يتجاهلونها ويحاولون إلباس المرأة ثوب الرجل بعقيدة أنهم يرفعون منزلتها حينئذ وينصفونها من الغبن الذى يتوهمون إلا إذا كان غبنًا أن يؤدى الحى وظيفته كاملة فى الحياة ويقوم بأعباء جنسه غير منقوصة.
هذا ليس رأيى فى الغرض الطبيعى من وجود المرأة على الأرض - والذى يحصرها فى حفظ النوع وامتداد الحياة.. ولكنه رأى «سيد قطب» الذى نشره فى كتابه «المجتمع المصرى.. جذوره وآفاقه.. حيث يشعر بإشفاق عظيم كلما رأى واحدة من هؤلاء «الشاردات» عن جنسهن اللاتى لم يتهيأن لمستقبلهن الزوجى إلا بأبعد المواد الثقافية عن هذا المستقبل.
ويقول.. ليس الذنب فى ذلك ذنبهن إنما هى خطيئة الرجل وخطيئة المناهج الثقافية.. بل هى خطيئة الدوار الذى أصابنا وأصاب العالم عقب الحرب العظمى فجعلنا نهتف بصيحات لا نعقلها ولا نقدر مداها عن حرية المرأة ومساواة الجنسين دون أن ننظم هذه الحرية ونجعل المساواة قائمة على أساس تأدية الوظيفة الحقة لكلا الجنسين.
المدهش أن هذا الرأى الرجعى فى المرأة لا يختلف، بل يتطابق تطابقًا كاملًا فى منهجه وفحواه ومضمونه وأسلوبه عن رأى رائد كبير من رواد الأدب والفكر فى تاريخنا الحديث هو «عباس العقاد» - وهو أيضًا بالتالى لا يختلف عن رأى السلفيين والإخوان.. والأصوليين وشيوخ الفضائيات والظلاميين.. اللهم إنه لا يقحم الأمور الدينية والفقهية فى تدعيم منهجه بالإضافة إلى اعتماده على الاستقراء والاستبطان وضرب الأمثلة الحية لتوضيح وجهة نظره .. فهو يرى مثلًا فى كتبه المهمة مثل «اليوميات» .. و«بين الكتب والناس» و«هذه الشجرة» وغيرها أن الفوارق بين الجنسين حقيقية لا تنقضى بانقضاء زمن من الأزمان وليس الخطأ فى إدراك هذه الفوارق مجرد خطأ عرضى فى مسألة من المسائل العقلية.. ولكنه خطأ البداهة التى لزم للإنسان من التفكير.. فنحن لا نتصور أن الإنسانية تشقى هذا الشقاء الذى ابتليت به اليوم لولا أنها فقدت البداهة الهادية وظهر فقدانها لها فى انحرافها بالمرأة عن مركزها الصحيح.. أى أن «العقاد» يرى أننا لا نحتقر المرأة حينما نقول إن لها وظيفة مستقلة تغنيها عن الانشغال بوظيفة الرجل فى جميع أعماله.
هذا الانحراف عن المركز الصحيح يؤكده «سيد قطب» أن الدافع هنا قد يكون مبعثه شذوذًا طبيعيًا فيها وميلًا إلى الرجولة.. فلتسر فى هذا الطريق متنازلة عن مطالبها كأنثى ورغائبها كامرأة لتفسح طريق الزوجية لغيرها ممن أعددن أنفسهن لهذا المستقبل الطبيعى فى حياة الأنثى.
ويؤكد «العقاد» أن الاختلاف بين الرجل والمرأة فى الأخلاق لا يقتضينا أن نزعم أنها أرحم منه أو أقسى.. وأنها أسلم منه أو أسوأ وأنها أصلح منه أو أفسد.. ولكننا نقدر الواقع حين نقول إن أخلاقها تغلب فيه الغريزة على الإرادة.. وأن أخلاق الرجل تغلب فيها الإرادة على «الغريزة».. ومن هنا تبلغ المرأة غاية الرحمة كما تبلغ غاية القسوة مع الغريزة المتغلبة عليها ولاتزال من أجل هذه عرضة للتناقض الذى جعلها عند بعض الناس لغزًا من الألغاز.
كما أن المرأة ليست بأسلم جانبًا من الرجل.. لأنها أميل منه إلى الشحناء والشجار.. فربما اتفق مائة رجل على الخطب المتفاقم الجسيم ولم تتفق امرأتان على الهنة الواهية الطفيفة .. وقد أغناها عن أن تكون مجرمة بنفسها أنها تجرم بيد غيرها لأن أكثر الجرائم إنما تقع بسببها ولأجلها.. فهى تدرك ما تشاء من الجريمة دون أن تتحمل تبعاتها وقلّما تقع مصيبة أو كارثة إلا كان وراءها وطر لامرأة تقضيه بيد المجرم بعيدة عما يتعرض له من العقاب.
فيرى العقاد أن المرأة لا تبتدع فى صناعة من الصناعات أو فى فن من الفنون وإن طال عملها فيه.. فإذا شاركها الرجل فى الطهى أو الحياكة أو التزيين والتجميل وهى صناعتها التى داومت على مزاولتها مئات الأحقاب كان له السبق بالتجويد واستطاع فى هذه الصناعات نفسها أن يستأثر بإقبال المرأة وثقتها دون أن ينافسه فيه النساء.. ومنذ القدم كانت المرأة تنوح وتبكى وتطيل الرثاء والحداد على الأموات، ولكنها لم تنظم فى الرثاء قصيدة واحدة تضارع قصائد الفحول من الشعراء.
ويؤكد «العقاد» أن الرجل كائن «أخلاقى»، أما المرأة فهى كائن طبيعى يجرى على حكم البيئة الطبيعية.. وليس لها أخلاق، بل عادات وشعائر وأحكام.. وأنها ما خلقت فيما مضى.. ولن تخلق بعد اليوم قانونًا خلقيًا غير ذلك القانون الذى تتلقاه من الرجل .. ولو ظهرت فى الأرض نبيّة بمعزل عن دعوة الرجال لما آمنت بها امرأة واحدة.. وإنما المرأة تؤمن بالرجل حين تؤمن بالنبى وبالإله.
والغريب أن هذه النظرة العنصرية للمرأة لم تمنع «العقاد» أن يقول بعد انتهاء علاقته بـ«سارة» أنه يحس إحساسًا شديدًا أن توديع هذه العاطفة يرادف فى معناه توديع الحياة.. كما لم تمنعه هذه النظرة العنصرية من أن يهيم غرامًا بالأديبة اللبنانية المعروفة «مى زيادة» وهى تعتبر من زعيمات الحركة النسائية المطالبات بمساواة المرأة بالرجل فى جميع أمور الحياة.. السافرة فى عصر الحجاب.. بل إنه ألح عليها إلحاحًا شديدًا فى الزواج بها رغم اختلافهما فى الدين.. ولما تأكدت من شكوكها بخيانته لها مع «سارة» حينما اتصلت به تليفونيًا بمنزله فردت عليها «سارة».. ردت إليه «مى» خطاباته العاطفية إليها.. منهية علاقتها به.. فبكى وهمّ أن يقبل يدها طالبًا المغفرة.. لكنها أبت ذلك وانسحبت من حياته.. ثم وقف أمام قبرها بعد موتها يبكى وينتحب .. ويتلو قصيدته الخالدة فى رثائها.