« فاريا ستارك» والإخوان (١)
كل يوم تتكشف حقائق عن الجماعة العميلة التى تطلق على نفسها (الإخوان المسلمين) ليأتى الممول نفسه ويعلن دوره حتى ولو فى سطور مبعثرة ضمن سيرة ذاتية لا تقبل التكذيب لأنها كتبت بيد أصحابها وسجلها التاريخ.
فى مذكرات لإحدى البريطانيات التى بدأت عملها كرحالة مستقلة تقوم بالإنفاق على رحلاتها لاكتشاف دروب ومجاهل ومرتفعات أراضينا العربية فى الجزيرة العربية واليمن والشام ومعها إيران بعد أن تعلمت وأتقنت اللغتين العربية والفارسية.. حتى صار لها صيت لدى حكومتها وتبنتها لتصبح عنصرًا أساسيًا وفاعلاً فى الأجهزة الاستخباراتية والخارجية البريطانية لدى كل مستعمراتها ونفوذها فى منطقة الشرق الأوسط.
ومن نتحدث عنها هى «فاريا ستارك» التى ولدت فى ٣١ يناير عام ١٨٩٣ من أم إيطالية أصلها بولندى ألمانى وأب رسام إنجليزى من مدينة ديفون، كانت فاريا من واضعى الخطط لمساعدة بلادها وخاصة فى حروبهم على الإيطاليين والألمان وكل منهم يريد الاستئثار والحصول على مستعمرات الآخر فى الحربين العالميتين، فاريا التى يطلق عليها البعض الرحالة المتمردة أو المتحمسة كانت «مصر» بالنسبة لها الدولة العربية التى تمتلئ حركة وحضارة وصار لديها هدفان لا ثالث لهما فى القاهرة هما الاقتراب من الأزهر ودخوله ودعم جماعة الإخوان التى تعجب بها كثيرًا وتريد توسعها، ولعلمها أن أجهزة بلدها تدعمهم وتمولهم.
وهنا قدمت خطة جهنمية كيف يمكن الاستفادة من تلك التجربة الإخوانية المصرية لتنتشر فى الربوع العربية تحت مسمى (إخوان الحرية) بعد أن تقوم بإعدادهم بريطانيا عبر سفارتها بمصر والذى كان سفيرًا بها وقتذاك «مايلز لامبسون» الذى كان يؤدى دورين الدبلوماسى والسياسى وكان يكره الملك فاروق ويطلق عليه باحتقار (الصبى) ليبادله الملك نفس الاحتقار ويطلق عليه (الجاموسة) . قدمت فاريا خطتها موضحة بعض المقارنات الخاصة بالجمعيات السرية التى يختفى البشر فيها بغية تحقيق أهدافهم واستشهدت بالإخوان المسلمين بصفة خاصة الذين عرفت بريطانيا أنهم يجتذبون شباب الضباط منذ عشرينيات القرن العشرين ليقوموا بتدريبهم على السلاح لمكافحة الفساد والاحتلال، وهو الأمر الذى كانت تحظره السلطات البريطانية، لذلك كان سرًا إلا أن الأمر بعد ذلك اختلف وصارت جماعة تدين بالولاء لبريطانيا العظمى.
وتذكر «فاريا» لما كان الإخوان منظمة عربية فإن أعضاءها يتمسكون بالإسلام كدلالة لتصنيفهم، ولذلك فهم يمسكون بالبندقية والقرآن فى غرفة مظلمة للقسم (ومن هنا يجب لنا الوقوف على تغيير شعار الإخوان من البندقية إلى السيفين) بعد إقامة فروع لهم فى البلدان العربية، المهم تقول «فاريا» إن أعضاء تنظيم الإخوان نظموا أنفسهم على شكل خلايا صغيرة كانت ترحب بعضوية الفلاحين، وكان عبدالناصر وأنور السادات عضوين شابين فى الإخوان أثناء الحرب، وكان كل منهما برتبة ملازم وتضيف عن نفسها الآتى (لكن فاريا وليس أى إنسان آخر لم تشك فى الأدوار المستقبلية التى يمكن أن يلعبها أو يقوم بها هذان الرجلان) وقدمت فاريا إلى حكومتها مقترحًا عن المناطق العربية والإيرانية السابق ذكرها تنشئ فيها نموذجًا مماثلاً وكوادر تخيلت أن تكون شبكة تتوسع بلا حدود، واستبصرت إخوانا مسلمين منتشرين يتولى أمرهم الإداريون البريطانيون ويضمون كل الجماعات الدينية على أمل أن يصيروا بعد الحرب منظمة ديموقراطية مدنية.
كان العمل فى البداية على إيجاد علاقات واتصالات بين فاريا والمسئولين والمواطنين البريطانيين الذين كان لهم أصدقاء مصريون وكان الهدف الوصول إلى هؤلاء كأعضاء أول وإضافة المزيد لتشكيل خلايا إخوانية جديدة، وطوال العمل فى هذا المشروع كانت فاريا تؤكد لرؤسائها أن كل شىء إذا ما سار على ما يرام وإذا ما حصلت هى على الدعم والمساندة الكافية فإن الإخوان قد يصبحون عشرين ألف عضو خلال عام واحد وكان ذلك عام ١٩٤٠.. وبدأت فاريا من مدينة القاهرة بضم أعضاء جدد إلى هذه الجماعة بعد أن كانت تدعوهم إلى مسكنها لتناول الشاى والمشروبات غير الكحولية، وخلطت الإنجليز بالمصريين وكانت تضفى على هذه اللقاءات شيئًا من السحر كما تقول بإشراك النساء الجميلات فيها وحضور بعض الشخصيات المهمة، وكانت تستحضر متحدثًا يقوم بمناقشة الموضوعات التى تتعلق بسير الحرب والآمال القومية استعدادًا للمستقبل .. وكان مفترضًا أن تقوم بنقل فكرة الإخوان إلى العراق، حيث كانت المشاعر المعادية هناك للبريطانيين أقوى منها فى مصر (يتبع).