
عاطف بشاى
الشخصية الإرهابية
هل هناك ما يمكن أن نسميه «الشخصية الإرهابية»؟!
يرى عدد من الباحثين.. أن الإرهابيين يعانون من مشكلات سيكولوجية عميقة.. فهم عدوانيون ومختلون.. ومتبلدو المشاعر ومنغلقو التفكير يقتلون بدم بارد.. ويعادون الحضارة والتقدم والعلم والمرأة والفنون.. ويرى باحثون آخرون أن النرجسية شائعة بين الإرهابيين ويظهر ذلك من خلال شكل ملابسهم وأغطية رءوسهم.. وإعلامهم ورموزهم الخاصة وطرق معيشتهم وتعبيراتهم عن أنفسهم من خلال صورة خاصة يبثونها على المواقع الإلكترونية.. ويقول آخرون إنه لا يوجد ما يمكن أن نسميه الشخصية التى توجد لدى بعض الأفراد مثل الميل إلى العدوان أو المخاطرة والتى تتفاعل عبر عمليات التربية مع الظروف البيئية والدينية فتجعل شخصًا ما يميل إلى مثل هذا السلوك المتطرف العنيف.. ولكن هناك دراسات أخرى ترى أن شيوع الأمراض العقلية والنفسية واضطرابات الشخصية بين الإرهابيين لا يفوق ظهور مثل تلك الاضطرابات لدى غيرهم من الناس.. والحقيقة أننى أتصور مثلًا أن مرضى الفصام الذين يؤدى مرضهم إلى وقوع جرائم قتل ليسوا بالضرورة إرهابيين.. أو إنهم يقتلون لأسباب لها علاقة بالتطرف الدينى..
يرصد د.. «شاكر عبد الحميد» وزير الثقافة الأسبق تلك الأبحاث فى كتابه الهام التفسير النفسى للتطرف والإرهاب والذى يتضمن عدة موضوعات بالغة الأهمية تتصل بحقيقة الدور الذى لعبه شيوخ الفضائيات والدعاة الجدد فى تجنيد الإرهابيين حول العالم.. كما يناقش كيفية تأثير الانحرافات والأمراض النفسية التى يعانى منها المتطرفون على السلوك.. وكيف يتحولون إلى شخصيات سيكوباتية يلجأون إلى العنف والإرهاب.. وكيف يساهم فى الحضور الطاغى للإسلام السياسى بعد «25» يناير فى تمزيق وحدة الوطن..
الكتاب غنى بالمعلومات القيمة ويتميز بالجهد الوافر الذى بذله مؤلفه – كعهدنا به – للخروج بدلالات هامة عن طريق الاستقراء الواعى والقدرة الكبيرة على ربط البعد النفسى بالتاريخى وبالسياسى لطرح رؤية متكاملة تمثل إفادة كبيرة للباحثين والقراء فيما يتصل بالنظرة المرضية للتطرف والإرهاب.
يسرد المؤلف أنه فى عام «2004» قام الباحث «ستيرن» بمقابلات شخصية مع عدد من الأصوليين المسلمين واليهود والمسيحيين.. والسيخ والهندوس.. وأكد أن نتائج المقابلات تشير إلى أن الناس يلتحقون بالجامعات الدينية المتطرفة كى يحولوا أنفسهم إلى شكل وسلوك يرونه أفضل وأنهم يبدأون هذا السلوك عندما يشعرون بالمهانة والإقصاء وسوء التقدير.. ويغضبون كثيرًا من نظرة الآخرين إليهم باعتبارهم ينتمون إلى مرتبة أدنى ومن ثم فإنهم يتخذون هوايات جماعية جديدة تقوم بأعمال فدائية أو استشهادية «كما هو الحال فى حالات المفخخين» ولأغراض روحية يصفها الآخرون بأنها إرهابية وهكذا يقوم المتوجه روحانيًا بالتركيز على الفعل مستعدًا أن يضحى بحياته معتقدًا أن موته سوف يفضى فى النهاية إلى خير عميم.. وهكذا يتحول الغضب إلى عقيدة.. وانعكاس التأثير النفسى المرضى على شخصية وسلوك وأفكار المتطرف يمكننا أن نحس بذرتها فى «سيد قطب» نفسه.. فتكفير المجتمعات وازدراء وكراهية ومحاولة إقصاء الآخر هى المقدمة المنطقية الواضحة إلى الإرهاب.. فرحلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية التى عاد منها فى أغسطس «1950» جعلته يزداد كراهية ورفضًا للغرب ولأمريكا.. وكتب بعد عودته يقول أن أمريكا تمسح وتشوه الذين يدرسون فيها والذين يتخرجون في جامعاتها فيعودون إلى بلادهم بدون شخصية أو كيان وبدون علم أو أدب أو خلق إلا من رحم الله فثبته هناك على دينه واستعلى عليهم بإيمانه.. وعاد أكثر ثقة بدينه وأنفذ بصرًا بما حوله والإشارة هنا إلى ذاته فى تجربته هو فى الولايات المتحدة.
يقول الأستاذ «حلمى النمنم» فى كتابه.. سيد قطب وثورة يوليو ربما يكون قد شعر فى أمريكا بالتمييز العنصرى على المستوى الشخصى بسبب بشرته السمراء وسواء وضح ذلك أو لم يتضح، فإنه لا يغير كثيرًا من الأمر.. لقد سافر وهو يكره أمريكا وقرر ألا يتخلى عن كراهيته.. إن رفضه فى النهاية غير عقلانى لم يقم على دراسة مكتملة أو حيرة حقيقية.. لقد اعتمد فقط على عاطفته الجياشة وحماسه الحاد فقط يظهر فى مقاله عدونا الأول الرجل الأبيض الذى يعلن فيه كراهيته واحتقاره لشعب بأكمله وعلى إطلاقه أو لمجموعة كاملة من الشعوب أو الحضارة بتمامها ولجنس أو لون من البشر بتمامه.. لقد كان سيد قطب «سنة 1946» يعلن كراهيته للغرب كله واحتقاره لأمريكا واحتقاره للمصريين الذين لا يشاركونه هذه المشاعر.. وذلك يفسر بالطبع من الوجهة النفسية تناقص قدرته على التكيف النفسى وانعزاله الاجتماعى والفكرى وتصلبه المذهبى.. وهى أمور كلها تشى باعتلال الصحة النفسية وبزوغ المرض النفسى.