الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مهرجان لكل مواطن

مهرجان لكل مواطن


مثلما هدمت المهرجانات الغنائية بإفرازاتها العقائد الموسيقية، ونشرت الفوضى فى الشارع الغنائى، تتجه المهرجانات السينمائية، المقامة على أرض مصر على مدار العام، إلى تكسير الثوابت السينمائية بتعمد وعناد  بغرض (البيزنس والاسترزاق) وممارسة الفهلوة على حساب بلد عريق له تاريخ ممتد فى الإبداع والخلق وبدون أى هدف سينمائى أو قومى أو ترفيهى.

فمع بداية ونهاية كل مهرجان، تتكرر الصور العبثية من سوء التنظيم  والإدارة والتوقيتات المتداخلة وخلو الهدف لتعيد إلى الأذهان شبح ما حدث فى مهرجان شرم الشيخ للسينما الأفريقية والآسيوية العام قبل الماضى، عندما فوجئ ضيوفه بفرمان من إدارة الفندق المقام به المهرجان بطرد أعضاء لجنة التحكيم والضيوف ووقف عرض الأفلام وإخلاء الغرف لعدم قيام إدارة المهرجان بدفع مستحقات الإقامة والعروض رغم شعار المهرجان «الفن فى مواجهة الإرهاب»، وهذا العام بعد الاكتفاء بالسينما الآسيوية تكررت نفس المشاهد بصور أخرى غريبة وعجيبة، وقبله بفروق توقيت بسيطة انتهى مهرجان أسوان لسينما المرأة بدون نموذج قوى مثلما حدث فى دورته الماضية، عندما كانت المناضلة السياسية جميلة بوحريد بطلة المشهد، ولأن الرؤية مشوشة والأهداف غير واضحة تبدل المشهد وتراجع.. وهكذا يدور فلك المهرجانات المصرية، ويطالبون من الدولة زيادة الدعم بل يتحججون بشماعة الميزانية رغم إقامتها بتلقيح صناعى نفعى وشخصى يهدم الهدف من إقامتها بالأساس، ونذكر فى هذا الإطار مولد المهرجانات السينمائية فى مصر عندما لاقت تدعيمًا خاصًا من الرئيس الخالد أنور السادات وأدخلها ضمن أوراق أكتوبر بعد النصر المبين، لتغير وجه الحياة فى مصر ومقاومة التيارات السينمائية الخبيثة وإبراز الهوية المصرية والحفاظ عليها.
مجلس الوزراء برئاسة د.مصطفى مدبولى والوزيرة د.إيناس عبدالدايم انتبهوا سريعًا لمثل هذه المهرجانات بإصدار قرار باختصاص وزارة الثقافة بمنح التراخيص للقضاء على فوضى مهرجان لكل مواطن أو تشكيل لجنة عليا لتنظيم إدارتها ومتابعة آليات تنفيذها ووضع أجندة سنوية إلى جانب تحديد الدعم المالى ومنحه لمن يستحق للقضاء على العشوائية والبذخ، مع التأكيد على وضع أجندة سنوية لمنع التعارض والتخبط وهو الهدف الذى تسعى لترسيخه وزيرة الثقافة لفرض السيطرة والرقابة عليها مع منح دعم يمثل 40 ٪ من ميزانية المهرجان، بل تقوم الوزيرة بنفسها بالإشراف عليها قبل افتتاحها للتأكد من جديتها ومنع صور الفوضى بها.
ورغم القرار الوزارى واهتمام الدولة، مازال التسيب مستمرًا والتوقيتات متداخلة مع استمرار حدوث التخبط فى الإدارة وسيادة منطق المصالح الشخصية والمكاسب الخاصة واكتفاء إدارة المهرجانات «بانتهاء الليلة» والتفرغ لتلبية «رد الجميل» للضيوف الأجانب على حساب الدولة وفقًا لقاعدة «اعزمنى أعزمك» وبلاها سينما ثم يستيقظون فجأة على الدورة المقبلة دون دراسة جدوى سوى لهم شخصيًا وتكون النتيجة «صفر كبير» على عكس المهرجانات الكبرى ذات السمعة العالمية، مثل كان وبرلين وفينيسيا، حيث يعكف مديروها طوال العام على دراسة السلبيات لتجاوزها وخروج كل دورة بمظهر مستقل وبديع والرهان على نوعية الأفلام المختارة والضيوف المفيدة خارج نطاق الشللية وجلسات المقاهى مع تكريم من يستحق وليس ما هو متاح ولهذا تكثُر المجاملات والتكريمات وإهمال النماذج التى تستحق التكريم والتقدير ثم يتحدثون عن فقر الميزانية والظروف الصعبة والاقتصار على التقليد الماسخ عندما يبتكر رئيس مهرجان إطلاق اسم كبير على الدورة فإن إدارة المهرجان التالى تقلده دون معاناة أو جهد.
أما الأزمة الكبرى فهى انفصال المهرجانات وأفلامها عن الجمهور وكأنه مخصص للضيوف الذين فى العادة يفضلون قضاء أفضل الأوقات، يشاهدون الأماكن الأثرية ويجلسون بالمقاهى الشعبية بدلا من المهرجان وفعاليته، بينما أهل المحافظة والمدينة بمعزل عن المهرجان لتنتفى أسباب إقامته ونشر الثقافة والعلوم السينمائية.
إن مصر تستحق إقامة مهرجان  فى كل بقعة من أراضيها؛ ففى كل محافظة تاريخ عريق جدير بالتمجيد ومقصد سياحى خالد «راجعوا مثلا شرم الشيخ أرض السلام وسانت كاترين أرض الأديان والأقصر وأسوان» إنها بقع إلهية صنعت تاريخ البشرية وتستحق الترويج والتنشيط السياحى بهدف زيادة الدخل ماديًا ورفع الوعى الثقافى وليس زيادة نسب الفهلوة ومعدلات المصالح الخاصة.
فى مصر يا وزيرة الثقافة مهرجانات تستحق الدعم فعلا مثل مهرجان القاهرة السينمائى الدولى ومهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط ومهرجان الإسماعيلية للسينما التسجيلية والوثائقية.. هذه المهرجانات العريقة تحتاج مساندة فعلا وهى كفيلة بتحقيق كل المقاصد الثقافية والسياحية وإبراز صورة مصر الحضارية للعالم مع إعادة النظر، فى مهرجانات «السبوبة» و«البيزنس» فالمبدعون يريدون مهرجانات بعقول وطنية مثل كمال الملاخ وسعد الدين وهبة وليست عقولًا استهلاكية نفعية على حساب سمعة مصر.