الجمعة 25 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
اضحك مع «سيد قطب»!

اضحك مع «سيد قطب»!


شر البلية ما يضحك.. وشر البلية هنا مفارقة تتصل «بسيد قطب» إمام التكفيريين ورائد الظلاميين.. ورئيس كتائب الكراهية والازدراء والعنف والإرهاب.. وعميد أكاديمية الكآبة والتجهم والفظاظة والشذر.. فهو يدعونا إلى الضحك.. والبشاشة والمرح والبهجة ويقول لنا بملامحه السمحة وابتسامته الساحرة: «تذكر دائمًا أن كل ابتسامة ترف على الشفاه.. وكل ضحكة ترن بها الحناجر إنما هى قطرات من الدم النقى فى عروق الأمة.. وصيحات إلى العمل المنتج ودعوات إلى السمو والطموح».
لقد كتب تلك العبارة فى مقال قديم عنوانه: «مباهج الحياة عنصر أصيل فى الإصلاح الاجتماعى».. نشر فى مجلة الشئون الاجتماعية عام (1940).. ويعزى تاجر السعادة وعاشق البهجة أسباب الكآبة إلى أنه ليس لدينا قطعة موسيقية واحدة.. ولا أغنية مصرية واحدة تحمل طابع الصحة وترتفع عن نداء الجنس المريض.. بل إنه ليس لدينا حنجرة واحدة مستعدة لإخراج نبرة الفرح أو نبرة النشاط والصحة ولم يتبق عندنا من المغنين من يصلح لترديد نغمة واحدة من نغمات الإحساس السليم وطالما شكونا التأليف والتلحين، ولكننا لم نلتفت إلى ظاهرة عجيبة فى أصوات مطربينا ومطرباتنا وهى أن حناجرهم لم تعد صالحة إلا لإخراج النبرة الكئيبة والصوت الحزين.. ويلاحظ «المجاهد الكبير» ذلك فى الأغانى الوطنية الرائجة فى تلك الأيام وفى أناشيد أفراح الزفاف الملكية وأناشيد الأعياد.. فالألفاظ والمعانى قوية صاخبة.. أو ضاحكة باسمة، ولكنها تخرج من حناجر المطربين ميتة هامدة حزينة تقطر منها الدموع وتشع فيها الأنات ويطل منها الوجع الدفين.. وهذا معناه المباشر والمؤكد نكبة على «روح الفرح والبشر» لأن الموسيقى والغناء يفعلان فى الكيان النفسى ما لا تفعله جميع التعاليم.
المدهش فى الأمر أن الإمام المصلح «البشوش» لا يكفر فقط غناء وموسيقى الأربعينيات.. لكنه فى تناقض غريب وذوق سقيم ومزاج نفسى معتل يفضح توجهاته ودخيلة نفسه الكئيبة ويفتى ويدعو فى استياء فى مقالاته بعد ثورة يوليو (1952) فى الرسالة إلى منع إذاعة أغنيات «محمد عبدالوهاب» و«فريد الأطرش» و«محمد فوزى» و«ليلى مراد».. وهى دعوة - كما يراها الناقد الكبير «حلمى النمنم» - فى جوهرها وأساسها إلى تحريم الفن.. حتى وإن لم تصدر مكشوفة وصريحة، بل جاءت مبطنة بادعاءات الثورية والحفاظ على نجاح الثورة واستمرارها.. وتمتد الدعوة من الفن إلى الكتاب والشعراء.. فإذا بـ«سيد قطب» يطلب أيضًا من أعضاء مجلس قيادة الثورة منع عدد من الكتاب والشعراء من الإنشاد للعهد الجديد.. وهى دعوة لاضطهاد الكتاب والحجر عليهم والتفتيش فى ضمائرهم وكيانهم.
ثم يدعو «الفقيه البهيج» الذى كفّر الغرب وأمريكا ووصف مجتمعاتهم بالانحلال وتفشى الرذيلة.. وصرح أن عدونا الأول هو «الرجل الأبيض».. يدعو إلى الاقتداء بالأسرة الأجنبية فإن ساعة واحدة يقضيها المرء فى بيت «إفرنجى» يجد فيها عواطف الحب والمودة الواضحة بين أفراد البيت الواحد.. ويلاحظ مظاهر المشاركة الوجدانية واجتهاد كل فرد أن يدخل السرور على نفوس الآخرين.. وهو ما نحرم منه فى بيوتنا.. هذه البيوت المتفرقة الأجزاء.. المفككة الأوصال التى يهرب الكثيرون منها إلى المقهى والنادى هروب اليائسين فلنختلط بالإفرنج ما استطعنا.. ولنقرأ ما كتب فى لغاتهم من وصف للبيت الإفرنجى ومباهجه.. ثم لنحاول فى صبر محاكاتهم فى إحياء بيوتنا وبث روح الفرح والنشاط فى جدرانها.. ولعلنا نوفق بعد عمر طويل.
ويشير الزعيم المفكر متهمًا الحكومة ممثلة فى وزارة الشئون الاجتماعية بالتقصير فى الاحتفاء بالفرح وإشاعة روح المرح الجميل.. فيجب عليها أن تخلق وتنظم كثيرًا من المواسم والمهرجانات الفرحة النشيطة ولتضف إلى الاحتفال بالمولد والمحمل ووفاء النيل.. الاحتفال بعيد الربيع (شم النسيم) وبموسم الحصاد (موسم جمع القطن) على مثال ما تصنع بعض الممالك الدولية الأوروبية.. ولتقم مسابقات كثيرة للزوارق ومعارض الزهور.. ولتقم إلى جانب وزارة الشئون الاجتماعية هيئات أخرى ولجان تجعل من همها الإكثار من المناهج الاجتماعية والتجديد فيها والابتكار فى كل مناسبة من مناسبات العام حيث يتاح الاشتراك فيها لأكبر عدد ممكن من الشعب المحروم.
تتخذ المفارقة الكوميدية الضاحكة طابعها المأسوى البشع حينما يصبح هذا المتطلع إلى زرقة السماء الساجية ونور القمر البهيج وسكن الليل الشاعرى ونفحات النسيم العليل.. وهمهمة موج البحر المتناغمة وانسياب النهر الجميل وضحكات الربيع فى معارض الزهور البديع وشم النسيم الذى يدعونا للاحتفال به الشاعر الصوفى الرقيق .. ويأتى أتباعه ليكفروا هذا الاحتفال فى فتاويهم الكريهة.
وتتخذ المفارقة بُعدها الكارثى حينما يكشف خفاش الكآبة وطائر الظلام عن وجهه الحقيقى وآثاره المدمرة من قتل واغتيالات وعنف وإرهاب وتفخيخ وعبوات ناسفة وتدمير وتحريض لقلب أنظمة حكم وبحور من الدم.
لقد قرأ «نجيب محفوظ» ملامحه مبكرًا.. وقال عنه فى روايته «المرايا»: «لم أرتح أبدًا لسحنته ولا لنظرة عينيه الجاحظتين الحادتين».