الأربعاء 23 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
جزء مؤلم من حكاية

جزء مؤلم من حكاية


على عتبات عالمه الغريب والمخيف والمدهش والساحر يقف الروائى العربى الكبير «أمير تاج السر» مزهوًا ببنائه عاشقًا لأرض عالمه وزمانه وشخوصه كلها، حتى تلك الشريرة أو المنحرفة، لدرجة أنه منح مجرمًا كريهًا «مرحلى سواركى» ملكية وحق أن يكون الراوى داخل روايته البديعة (جزء مؤلم من حكاية).
إنها جزء مؤلم من حكايتنا نحنُ .. هى كل الحكاية، رغم أنه اخترع زمنًا ومكانًا وأسماء شديدة الغرابة والجدة لم أسمع بها من قبل، حتى الجنى والعفاريت داخل الرواية منحهم أسماء وسلوكًا مغايرًا، فهم ليسوا حُمْر العيون ضخام البنية أبدًا، لكنهم كانوا الضمير الغائب، كانوا الندم بعد انقضاء الأوان.
اختار «تاج السر» زمانًا لروايته عام 1750 -وللقارئ أن يضع زمنه هو فالتاريخ هنا غير ملزم وغير حقيقى - ومكانها كان «مملكة الطير» - وعلى القارئ أن يضع بلاده بدلًا من أطلس الرواية.. نعم هكذا.
مرحلى سواركى الراوى والبطل والقاتل بأجر يقتل بمتعة وبفن وبلا ألم.. كالصخر بلا مشاعر حتى إنه لا يعرف الحب ولا كيف يكون ولا يهتم لذلك مهما وقعت فى غرامه وأغرته أجمل نساء المملكة.. إنه لا يشعر سوى بمتعة قتلاه لخطة القتل الذى لا يعرف له سببًا، حتى ضحاياه حين ملأوا كوابيسه بصراخهم وتساؤلاتهم الحيّرى له: أنت قتلتنى؟ يرد: نعم قتلتك.. يعود التساؤل: لماذا قتلتنى؟ يَرُدْ: لا أعرف.. مرةً وحيدةً يساوره الشك والألم، مرةً واحدةً وحيدةً حين تُوَكّل إليه َُمهمّة قتل شخص يدعى «بستان الحلاق» وبعد أن يقتله يضطرب قلبه ويرى أنه شبه أخيه فى قريته البعيدة هناك حين تركها صغيرًا إلى غير رجعة، تنتابه الهلاوس والأوجاع فى مشهد يذكرك ببطلة مسرحية «سوء تفاهم» لـ«ألبير كامو» حين أمرت الأخرس القاتل بقتل ابنها ولم تكن تدرى أنه ابنها إلا بعد موته.
هو إذن لا يعرف لماذا يقتل، لكنه ينفذ أوامر شريرِِ آخر أكثر رعبًا وذكاءً منه اسمه «ديباج الفارسى» صديقه الحميم والأوحد فى العالم الغريب.
انظر لجدة الأسماء وغرابتها ودلالة الأسماء: «صدقات الصياد» و«ديباج كوثرى شهوار» و«سلالة» و«المريد مرجانة» و«كمانة» و«حرقل طباخ الملك» و«قدار غاسل الموتى» و«الشيخ الأزهر عازف آلة الجادور» و«الياطور حسن المعارض السياسى» ثم العفريت الجنى «سلاملى».
سيموت البطل لنفس الطريقة ونفس الخدعة التى قتل بها ضحاياه، فى نهاية الرواية سيوقع به صاحبه الأوحد سيوكل مهمة قتله لقاتل محترف جديد أكثر ذكاءً ودهاءً وحقارة.
ولن تنتهى الحكاية.. حكايتنا الغريبة!
ولسوف تتساءل وأنت تقرأ السطر الأخير فى الصفحة الـ322 من الرواية الجميلة للغاية المليئة بالأساطير: كيف ركب «أمير تاج السر» العالم المفكك - عالمنا - هكذا بكل تلك الدقة وبهذا الوضوح وبذاك التناسق للدرجة التى أعار فيها للجن والعفاريت أدوارًا داخل الرواية وصاروا شخصيات أساسية مثلهم مثل البطلين.. حتى البطلين يبدوان وكأنهما ممسوسان وكأنهما بالفعل من جنس بنى الجن /إبليس وليس بنى البشر/ آدم.
إلا أن أدوارًا أخرى داخل الرواية كانت لهم، فهم لا يتعاملون مع النبى «سليمان»، وهم ليسوا الهدهد الذى يأتى بالأخبار والأسرار.. لكنهم الضمير الإنسانى المعدوم فى النص الأدبى المذهل حين يتجلى فى أروع صوره.