
محمد جمال الدين
25 يناير.. بين اللعنة والإشادة!
ثمانى سنوات كاملة مرت على ثورة 25 يناير، ومع هذا مازال البعض يرى أنها سبب البلاء، وأس الفساد الذى ضرب بقوة فى جميع أركان مصر المحروسة، فكل نقيصة أو أزمة أو حتى مشكلة سببها هذه الثورة الملعونة، التى أخذت فى طريقها الأخضر واليابس، فهى ليست سوى مؤامرة فى نظر البعض، أما البعض الآخر فلم ير فيها سوى أنها بالوعة صرف صحى طفحت بما فيها قبل إصلاحها، على اعتبار أن مصر كانت تعيش طوال الثلاثين سنة التى سبقت الثورة فى جنة، وشعبها سعيد ومرتاح البال، لا يشغل نفسه بأسعار أو خلافه، وحياته السياسية والاجتماعية مستقرة ولا تتضمن أى منغصات، فى ظل وجود مجلسى شعب وشورى يؤديان واجبهما على الوجه الأكمل فى خدمة الشعب وليس النظام، وأن ما شهدته سنوات الرئيس الأسبق الأخيرة، من ممارسات سياسية واقتصادية وأمنية والتى دفعت الشباب للمطالبة بالإصلاح بفعل حماسته المعتادة، ليست سوى طيش شباب، وما كان هناك داع لها أصلا، ولولا حماستهم المفرطة ما حدثت صدامات مع الشرطة وما تمت المطالبة برحيل النظام، عنف الشرطة ضد الشباب ولد شعورًا غير حقيقى ضد النظام ،كما يرى الرافضون للثورة، والذى للأسف (من وجهةنظرهم) تزامن مع تدهور بسيط فى الخدمات الصحية والتعليمية، المصحوب ببعض الانخفاض غير الملحوظ فى مستوى الدخل نتج عنه ارتفاع لا يذكر فى معدلات الفقر، وارتفاع أكثر بساطة فى معدلات البطالة بين الشباب، الذى فوجئ ببعض القوانين الصادرة عن المؤسسات التشريعية، تخدم فئة دون أخرى مثل قانون منع الاحتكار، الذى أدى إلى زيادات كبيرة فى بعض السلع المهمة للمصريين، خاصة الأسمنت وحديد التسليح الذى احتكر تصنيعه أمين تنظيم الحزب الحاكم وقتها.. ونتيجة مباشرة لتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى بالاتفاق مع صندوق النقد الدولى، بدأت الحكومة فى بيع شركات القطاع العام للقطاع الخاص المحلى والأجنبى، وهو ما نتج عنه ما يعرف (بالخصخصة) وإحالة عدد كبير من العاملين فى شركات القطاع العام للمعاش المبكر وهم مازالوا فى سن العمل، لترتفع معدلات البطالة وتصل إلى 13% عام 2010 حسب تقارير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، فى الوقت الذى عانى فيه المصريون من أمراض السرطان وفيروس c محتلين مراتب متقدمة بين دول العالم التى تعانى من هذه الأمراض، بخلاف معاناتهم من الموت فى طوابير الخبز والبوتاجاز، ومشاكل المرور وتردى البنى التحتية للدولة، حتى جاءت الطامة الكبرى والتى تمثلت فى انتخابات 2010 وما حدث فيها من تزوير فج على يد أمين تنظيم الحزب الحاكم ونجل الرئيس، وهى الانتخابات التى مهدت الطريق لما أطلق عليه توريث الحكم، بالمناسبة جل ما فات ليس سوى أمور بسيطة، كان من الممكن التغلب عليها فى نظر من لا يعترفون (باللى متتسماش)، وهو ما لم يرض البعض من شباب مصرى حر ضاق بكل هذه السلبيات، فخرج يوم 25 يناير قاصدًا ميدان التحرير ليعبر عن رفضه أو غضبه أو اعتراضه، على ما تمر به بلاده مطالبًا بإسقاط النظام، الذى جعلهم يعانون من الفقر والجهل والبطالة والغلاء، وجعل بعضهم من ساكنى القبور والعشوائيات، حتى وقعت أحداث جمعة الغضب التى قضت على البقية الباقية من نظام مبارك، التى شهدت حرائق ونهب وسرقة محلات ومنازل، مما أدى لنزول الجيش فى الشارع.. أصحاب الرأى المعارض للثورة يرون أن ما حدث فى هذا اليوم يعد من أهم سلبيات الثورة، التى تسببت فى تراجع الاقتصاد المصرى وإغلاق العديد من المصانع، وانتشار ظاهرة البلطجة، عقب ظهور عصابات الموت والسرقة والخطف وتجار السلاح والمخدرات وخروجهم على سطح الحياة الاجتماعية، رغم كونه نتيجة طبيعية لإطلاق سراح تجار الدين والمنحرفين والمجرمين بالسجون، وهى جميعا سلبيات لا يستطيع أحد أن ينكرها، ولكن فى نفس الوقت هناك إيجابيات مازال المعارضون للثورة ينكرونها حتى الآن، يأتى فى مقدمتها كسر حاجز الخوف لدى المواطن المصرى، وإعلاء صوته ضد الظلم والطغيان والفساد الذى نغص عليه حياته.. فجميعنا يعلم أن هذا المواطن لم يكن يجرؤ خلال أكثر من نصف قرن على اجتياز هذا الحاجز، فى الوقت الذى انعدم فيه تماما الرأى والرأى الآخر، وانتصرت إرادة الشعب على جبروت الحاكم وتعنته وأسقطت نظامه، وحلت مؤسساته التشريعية القائمة على التزوير والتى اعتادت تفصيل القوانين لخدمته وخدمه حاشيته، كما أظهرت ثورة 25 يناير انتهازية تيار الإسلام السياسى وجماعاته المتعددة، الذى أعتلى الثورة فى غفلة من الزمن، ومكنته من حكم البلاد لمدة عام كامل، حتى انقشعت الغمة على يد جيش مصر العظيم الذى وقف بجانب شعبه فى مهمة استرداد بلده مرة ثانية (هذه الإيجابية تحديدا مهمة جدا لأنها مهدت لثورة 30 يونيو).. هذه أمثله من بعض إيجابيات الثورة التى يرفض البعض الاعتراف بها، إلا أننى أرى أنها كفيلة بأن يحتفل المصريون بثورتهم، التى جعلت العالم جله يتحدث عن مصر والمصريين الذين أزاحوا نظامًا اعتقدوا أنه سيصمد إلى أبد الآبدين.