
طارق مرسي
مجلس الخطيب بقلم إحسان عبدالقدوس
لم يكن الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس مفكرا وأديبا وقديرا فى شئون السياسة والحب بل كان مؤرخا وناقدا فنيا وكرويا ولا يخلو صالونه الشهير من نجوم الكرة والفن بشقته الشهيرة بالزمالك.
الكاتب الفذ وناظر مدرسة روزاليوسف - حسب وصف الكاتب الكبير رشاد كامل - كما كان عاشقا لمعجزة أم كلثوم كان متحمسا لصوت القرن عبدالحليم حافظ.
وظلت صداقته ممتدة بالعندليب حتى وفاته وقبلها خلافاتها الشهيرة حول قصة آخر فيلم لحليم «أبى فوق الشجرة»، كما أن حليم كان ضيفا فوق العادة عند افتتاح مبنى روزاليوسف فى مقره الحالى فى شارع القصر العينى.
المدهش أن إحسان وحليم اجتمعا على تشجيع النادى الأهلى ورغم ارتباط عبدالحليم فنيا وغنائيا بالثلاثى الزملكاوى العملاق محمد عبدالوهاب ومحمد الموجى وكمال الطويل إلا أنه لم يخف غرامه بالأهلى مثل كاتبنا العملاق.
أم كلثوم وحليم والأهلى والرياضة المصرية عموما كانت محل اهتمام الكاتب الفذ رغم معاركه السياسية الشهيرة وعوالمه الروائية الخالدة، ويذكر الكاتب الكبير رشاد كامل فى كتابه الجديد والفاخر «إحسان عبدالقدوس- أسطورة روزاليوسف» ضمن القسم السابع «تاريخ الكرة» ما كتبه الراحل إحسان عبدالقدوس حينما قال: أتمنى أن يرتفع مستوى الكرة عندنا إلى حد يدعو ريال مدريد فريقا للعب فى إسبانيا ويدفع له. كما ندعو نحن ريال مدريد وندفع له..
الطريف أن حلم إحسان الكروى تحقق شهوراً قليلة عندما استضاف الزمالك الفريق الذهبى لريال مدريد بقيادة بوشكاش ودى ستيفانو فى مباراة شهيرة على ملعب استاد القاهرة الدولى وانتهت المباراة بفوز الريال 7/1 فى احتفالية كروية تاريخية لكن نصف الحلم الأول لم يتحقق وهو أن يدعو ريال مدريد فريقا مصريا ويدفع له ويبدو أن الحلم بات قريبا بعد الفتوحات الكروية لنجمنا العملاق «محمد صلاح» وارتفاع أسهم الكرة المصرية للسماء بعد النجاحات التى حققها صلاح فى أرض الإنجليز.
الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس تحدث فى نفس المقال عن «تاريخ الكرة» وكتب فقرة كاملة تصحح الخطأ الشائع بأن إنجلترا هى أول من اخترعت كرة القدم وقال:
«ثارت صحف إنجلترا لهزيمة الفريق الإنجليزى الدولى لكرة القدم وكتب أحد النقاد الإنجليز يقول:
لا يجب أن ننسى أن بريطانيا هى التى اخترعت كرة القدم وعلمت العالم كيف يلعبها، وردت صحفية ألمانية على الناقد الإنجليزى قائلة:
إن لعبة كرة القدم عرفت فى الصين سنة 300 قبل الميلاد فى عصر الإمبراطور تشنج تسى.. والإمبراطور هو الذى وضع قواعد اللعبة التى لا يزال معظمها ساريا حتى اليوم وهو الذى حدد عدد اللاعبين فى كل فريق بأحد عشر لاعبا وقد كون الإمبراطور فريقين للعب أمامه.. فريق القصر وفريق الشعب وكان يوزع الأوسمة أمام الجمهور وأكثر من ذلك.. كان فريق القصر إذا هزم طرده الإمبراطور وأحل محله فريق الشعب ثم كون فريقا جديدا ينازله إلى أن يهزم.
وعلقت الصحفية الألمانية قائلة- حسبما كتب إحسان عبدالقدوس: إذا أرادت بريطانيا أن ترجع إلى أصول اللعبة فعليها أن تجلد ظهور أفراد فريقها الدولى ثم تطردهم وتحل محلهم فريقا جديدا.
وذهب الكاتب الكبير فى مقاله إلى أبعد من ذلك وقال: نحن فى مصر.. إن الجمهور عندنا هو الذى يتولى جلد اللاعبين.. وهى القضية التى رآها الكاتب الكبير مازالت مستمرة حتى اليوم.
الكاتب العملاق من ناحية أخرى لخص أزمات الأهلى فى مقال شهير بروزاليوسف عام 1958 وكان وقتها يستعد الأهلى لإجراء انتخابات مجلس الإدارة وكان يعانى كرويا مقابل الزمالك الذى كان ينعم بالاستقرار الكروى والإدارى.
الساحر الأكبر «إحسان» كتب مقالا بعنوان «أحب النادى الأهلى» قال فيه:
أنا أهلاوى منذ فتحت عينى على الدنيا وكان والدى عضوا فى النادى الأهلى حتى قبل أن يتزوج والدتى وكنت فى صباى لا أعرف ناديا أو أفضل سوى النادى الأهلى.. وأعضاء مجلس إدارة النادى الأهلى على مر السنين كلهم أصدقائى وأفخر بصداقتهم ولكنى أتمنى فى انتخابات النادى القادمة أن يرسبوا جميعا.
من بين أعضاء مجلس الإدارة الوزير الناجح والمزارع الناجح والاقتصادى الناجح والموظف المحترم والفنان المشهور والكاتب الكبير، لكن ليس من بينهم من يستطيع أن يكون عضو مجلس إدارة ناد رياضى اجتماعى ناجح وكانت نتيجة سوء الأوضاع أن تفكك الحياة الاجتماعية داخل النادى وتفسخت وتسلل معظم الأعضاء إلى نادى الجزيرة ولم يعد يربطهم بالنادى سوى الذكريات.. كانت النتيجة أيضا أن تفككت الحياة الرياضية وأصبح بدل أن يضع تقاليد رياضية جديدة- كما كانت عادته- ينحدر إلى مستوى الرياضة بلا تقاليد.. أرجو ألا يغضب منى أصدقائى الأهلاوىة فليس مما يعيبهم ألا يكونوا أعضاء مجلس إدارة لكن ما يعيبهم ويعيبنا كأعضاء أن نعجز عن الارتقاء بنادينا.
وختم مقاله بالقول: إنى أغار على الأهلى وعلى مصلحة الأهلى لأننى أحبه وأحب أن تعود إليه أمجاده.. وكأن التاريخ يعيد نفسه حاليا تراجع مستوى الأهلى وثورة جمهوره على رئيسه محمود الخطيب رغم أن الساحر الأكبر «بيبو» من نجوم الكرة القادرين على قيادة الأهلى.
ومن عالمه الكروى إلى عالمه الفنى وعلاقته الحميمة بكبار نجوم الغناء وفى مقدمتهم أم كلثوم وعبدالحليم حافظ ،الكاتب الأسطورى يلخص غرامه بكوكب الشرق فى مقال نشر فى روزاليوسف فى 18 مارس 1957:
إن السيدة أم كلثوم هى أقدر فنانة على مواجهة الجمهور وقد سألتها: كيف تستطعين السيطرة على جمهورك؟
قالت أم كلثوم: لست أدرى.. إنها موهبة.. إلهام من عند الله.. إنى لا أدرى.. حتى ما سأغنيه لجمهورى قبل رفع الستار بدقائق ويظل الموسيقيون يسألوننى عن الأغنية التى أبدأ بها وأنا مترددة حائرة وفجأة يلهمنى الله بما أختار.. قلت «أى إحسان» كنت أعتقد أن السيطرة على الجمهور تعتمد على الذكاء، قالت: لا صدقنى إنها موهبة، مجرد إلهام.
وفى بابه الشهير خواطر فنية الذى واصل الكتابة فيه العملاقان محمود السعدنى والآن الكاتب الكبير مفيد فوزى فى روزاليوسف بتاريخ 5/2/1962 كتب زاوية أخرى عن أم كلثوم وعبدالحليم ونجاة وقال: المنافسة القديمة بين أم كلثوم وعبدالوهاب تتسلل إلى عبدالحليم ونجاة الصغيرة.. .الفرق بين أم كلثوم وعبدالوهاب أن كلا منهما يمثل مدرسة فنية وله شخصيته المميزة.. وعبدالحليم ونجاة يمثلان مدرسة واحدة وشخصية فنية واحدة.. شخصية عبدالوهاب.
ملحوظة: هذه الخواطر حصلت عليها من أرشيف العندليب عبدالحليم حافظ ومن شقته بالعجوزة تلك الشقة التى شهدت سهرات وزيارات متعددة بين «حليم» وعملاق روزاليوسف إحسان عبدالقدوس.