الجمعة 25 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
فى ذكراه: نقاد «نجيب محفوظ»

فى ذكراه: نقاد «نجيب محفوظ»


ما عرفنا كاتباً من الكتاب ظل مغموراً مهملاً عامة حياته الأدبية دون سبب معلوم.. ثم تفتحت أمامه كل سبل المجد دفعة واحدة فى السنوات الخمس الأخيرة دون سبب معلوم أيضاً، وما عرفت كاتباً رضى عنه اليمين والوسط واليسار.. ورضى عنه القديم والحديث مثل «نجيب محفوظ»، قد غدا فى بلادنا مؤسسة أدبية أو فنية مستقرة تشبه تلك المؤسسات الكثيرة التى تقرأ عنها ولعلك لا تعرف ما يجرى بداخلها.. وهى مع ذلك قائمة وشامخة وربما جاء السياح أو جِىء بهم ليتفقدوها فيما يتفقدون معالم نهضتنا الحديثة.. والأغرب أن هذه المؤسسة التى هى «نجيب محفوظ» ليست بالمؤسسة الحكومية التى تستمد قوتها من الاعتراف الرسمى فحسب.. بل هى مؤسسة شعبية أيضاً.. يتحدث عنها الناس بمحض الاختيار فى المقهى وفى البيت وفى نوادى المتأدبين البسطاء.
هذا ما عبر عنه المفكر الكبير «لويس عوض» فى معرض حديثه عن «نجيب محفوظ» (فى مارس 1962) ذاكراً كورس النقاد الذى ينطلق كلما أصدر «نجيب محفوظ» عملاً جديداً فتندفع أنهار الأحاديث والمقالات تترى فى الصحف والمجلات وعلى موجات الإذاعة.. هذا ما كتبه الكاتب الكبير «جابر عصفور» فى مؤلفه الرائع «نجيب محفوظ الرمز والقيمة» الصادر فى (2010م).
والحقيقة أن «سيد قطب» الذى يسميه مريدوه «الأديب الشهيد» كان أول من نبه إلى قيمة «نجيب محفوظ».. وإبداعه المتميز فى مقالات نقدية منشورة بعد صدور الثلاثية.. وقد ظل «نجيب» ممتناً لذلك.. وسجله الناقد الكبير «رجاء النقاش» فى كتابه عنه.
أما عن رأى «لويس عوض» أن مؤسسة «نجيب محفوظ» شعبية أيضاً.. فأنا أتصور أن هذه الشعبية ظهرت ونمت ليس من خلال قراءة العامة لرواياته وإعجابهم بمحتواها الفكرى والإنسانى والاجتماعى والتاريخى.. ولكن بفضل السينما.. وما حققته الأفلام التى أخذت عن أعماله الروائية ابتداءً من الثلاثية التى أخرجها «حسن الإمام» من رواج كبير ونسبة مشاهدة عالية.. وقتها تبارت أفلام النقاد فى الهجوم عليه متهمة إياه بتشويه رؤية «نجيب محفوظ» السياسية.. وعدم فهمه لمغزاها.. وجهله بأبعادها المختلفة.. فخلت من العمق والقيمة.. وأغرق «حسن الإمام» الشاشة بالخلاعة والابتذال ومشاهد الجنس.. وحينما غضب «حسن الإمام» من ذلك الهجوم.. طيب خاطرة «نجيب محفوظ» وقال له عبارة مأثورة هى: «لا تهتم.. بل عليك أن تقف فوق تلال الأوراق التى كتبها النقاد فى ذمّك.. فسوف ترتفع قامتك أمام «شباك التذاكر».
والحقيقة أن تلك العبارة تحمل معنى مهم ومنهج فى التفكير اتبعه «نجيب محفوظ» طوال مسيرته الأدبية - فالسينما التى ساهمت مساهمة كبيرة فى شهرته وذيوع اسمه – هى عمل جماهيرى جماعى يشترك فى صياغة عالمه المخرج وكاتب السيناريو والممثلون والممثلات والمصورون.. ومهندسو الديكور.. وليس عملاً فردياً ككتابة الرواية.. والقصة القصيرة والفن التشكيلى.. ولكاتب السيناريو رؤية مرئية تختلف عن رؤية الأديب.. ولغة أدواتها التى تختلف عن أدوات الكاتب الروائى.. بل إن القانون يعتبر السيناريست هو المؤلف للعمل المرئى وليس الأديب صاحب قصة الفيلم أو المسلسل فهو مؤلف القصة الورقية التى تختلف ملكيتها الفكرية عن الملكية الفكرية للمصنف المرئى.
ومن ثم فإن السيناريو فن قائم بذاته ولذاته.. ولا يعتبر كاتبه مجرد وسيط أو معد أو ناقل أو محاك للرواية الأصلية.. وإنما هو ينشئ عالماً كاملاً يوازى عالم الروائى.. يتفق معه فى المضمون الفكرى.. ولكنه يختلف عنه فى وسائل التعبير.
وبالطبع فإن الأستاذ يدرك ذلك جيداً، حيث إنه مارس كتابة السيناريو والحوار لأكثر من أربعة عشر فيلماً منذ الأربعينيات.. وأشهرها الأفلام التى أخرجها «صلاح أبو سيف»..مثل: «ريا وسكينة» و«الوحش» و«شباب امرأة» و«الفتوة» و«بين السما والأرض» وأيضاً التى أخرجها «عاطف سالم» مثل: «جعلونى مجرماً» و«إحنا التلامذه» ثم «درب المهابيل» «لتوفيق صالح» و«الناصر صلاح الدين» و«جميلة بوحريد» و«الاختيار» .. وإن كان قد صرح لـ«رجاء النقاش» فى كتابه عنه أنه لم يكن سعيداً بكتابة السيناريو.. وأنه كان يمارس ذلك الفن كوسيلة للصرف على الأدب عالمه الأثير.
وقد كان من دواعى الزهو والتيه.. أن أبدأ رحلتى فى التأليف الدرامى بكتابه السيناريو وحوار الفيلم التليفزيونى «تحقيق» عن قصة قصيرة بنفس الاسم «لنجيب محفوظ».. وكان لنجاح الفيلم من خلال ردود الأفعال الجيدة تجاهه من قبل النقاد والمتلقين فى ذلك الوقت فى بداية الثمانينيات دافع قوى وحافز كبير على الاستمرار.. والتواصل واكتساب الثقة، خاصة أن القصة كما كتبها أديبنا الكبير كانت صعبة التحول إلى عمل مرئى بطبيعة شكلها الملغز القائم على تداخل الأزمنة والأمكنة ونسف منطق التتابع الذى يعتمد على التسلسل التقليدى والحبكة المرتبطة ببداية ووسط ونهاية.. ورسم الشخصيات الملتبس.. وغموض المحتوى الذى يحتوى على نهاية غريبة.. ويضفى على القصة كلها شكلاً عبثياً وإطاراً رمزياً.
وحينما عرض التليفزيون الفيلم سأل الناقد «محمد صالح» الأستاذ عن رأيه فى الفيلم ملمحاً له أن السيناريست قد غير كثيراً فى أحداث القصة ورسم الشخصيات والنهاية.. وحول اتجاهها من قصة تنتمى إلى أدب «اللامعقول» إلى فيلم معقول.. فأكد له الأستاذ: حسناً ما فعل.. فقد سبق أن التزم كاتب سيناريو آخر بقصة عبثية أخرى لى هى «شهر العسل» بنفس طريقة الحكى والبناء العبثى فأغلق الناس التليفزيون.
والملاحظ أن الأستاذ لم يكتب سيناريو أى عمل من أعماله الأدبية لأنه يرى أنه لا يستطيع أن يغير من شكلها الأدبى.. وكان يترك للآخرين أن يفعلوا ذلك مستخدمين أدوات أخرى تختلف عن أدوات الروائى.