الجمعة 25 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ثورة دينية من أجل التنوير

ثورة دينية من أجل التنوير


«لابد من إعادة قراءة تراثنا الفكرى قراءة واقعية مستنيرة.. تقتبس من ذلك التراث ما ينفعنا فى زماننا ويتلاءم مع متطلبات عصرنا وطبيعة مستجداته»..
هذه هى كلمات الرئيس «عبدالفتاح السيسى» فى خطابه الأخير للشعب فى وجود شيخ الأزهر د. «أحمد الطيب».. وهو يخاطب بدعوته تلك علماءنا وأئمتنا ومثقفينا لبذل المزيد من الجهد فى دورهم التنويرى لاستدعاء القيم الفاضلة التى حث عليها الإسلام والرسول الكريم.. والتى تنادى بالعمل والبناء والإتقان.. ذلك لكى نستطيع أن نواجه بها أولئك الذين يدعون إلى التطرف والإرهاب..
وقد وجه الرئيس تلك الدعوة تحت عنوان عريض هو «الثورة الدينية» إلى إعلاء شأن (التنوير فى مواجهة التراث الذى ينبغى تنقيته من شوائب لا علاقة لها بصحيح الدين.. والمتبلورة فى فتاوى التكفيريين.. التى مازالت تطلق سهامها المسمومة فى الفضائيات.. وجميع وسائل التواصل الاجتماعى بكثافة وغزارة وتلاحق.. ودأب متواصل وكأنهم يهدفون بفخر وإيمان وزهو إلى ردة حضارية تشملنا جميعًا. ويحاولون جاهدين عودتنا إلى عصور أهل الكهف والتطرف الدينى وازدراء الآخر.. وجرائم التكفير والتحريم والإقصاء.. وتلك الفتاوى الشاذة التى تطفئ شموع الاستنارة وتلفظنا خارج التاريخ.. ولعل أحدثها والتى يبدو فيها تغييب العقل فى أجل صورة تلك التى تجيز جواز الأجنة فى بطون الأمهات.
هذه الفتوى الملتاثة تشى.. بل تكرس بوضوح لا لبس فيه لشيوع خصائص ذلك التراجع المفزع الذى نعانيه والذى يتحدد فى رفض المنطق العقلانى.. والارتكان لكهف الخرافة والأكاذيب والمسلمات العتيقة البالية .. والاتكالية والرضوخ للغيبيات.. واختراع المعجزات غير الحقيقية.. ورفض التغيير.. والتفكير بالتمنى وليس بالعمل.. واجترار الماضى السحيق للتكريس للأوهام والخزعبلات.. ومعاداة العلم والحداثة.. هؤلاء الذين قصدهم د.«طه حسين» ضمن رسالته التنويرية منذ عشرينيات القرن الماضى بأنهم أولئك الذين سدت عليهم مصادر الحيلة فى هذه الحياة وأعياهم طلب الرزق فركبوا رقاب الناس باسم الدين .. واستخدموا كل وسائل الإرهاب المعنوى والاغتيالات الأدبية للقضاء على رموز التنوير بتكفيرهم والطعن فى عقيدتهم وقد كتب «طه حسين» فى ذلك وقتها أنه من حق الإنسان أن يجتهد ويخطئ .. وويل لأمة يعاقب فيها الناس على الخطأ والاجتهاد .. وإذا كان شيوخنا الأجلا ء يأبون على أنفسهم الاجتهاد إشفاقًا من الخطأ وإيثارًا للعافية فذلك حقهم.. ولكنه لا يبيح لهم أن يأخذوا الناس بأن يكونوا مقلدين مثلهم..
ولعل ذلك يقودنا إلى تذكر ما حدث مع الشيخ «على عبد الرازق» والحكم ضده بسبب كتاب «الإسلام وأصول الحكم» والذى أصدره الأزهر بإجماع أربعة وعشرين عالمًا من هيئة كبار العلماء بإخراجه من زمرة العلماء ومحو اسمه من سجلات الجامع الأزهر والمعاهد الأخرى وقطع رواتبه من أى جهة وعدم أهليته للقيام بأى وظيفة عمومية دينية كانت أو غير دينية..
وقبل أن يتوفى الشيخ «على عبدالرازق» فى صمت ومرارة .. 1966 ذهب إليه أحد الكتاب يطلب موافقته على طبع الكتاب من جديد.. وفى منزل الشيخ دار الحوار التالى بين الناشر والمؤلف أورده «محمود عوض» فى كتابه «أفكار ضد الرصاص»:
- هل تسمح لنا بإعادة طبع كتابك العظيم .. «الإسلام وأصول الحكم»؟
- لا .. لا .. يا سيدى.
- لماذا ؟! .. هل أنت تتخلى عن كتابك ورأيك؟!
- لا .. لست أتخلى عنه أبدًا.. ولكنى لست مستعدًا لأن ألاقى بسببه أى أذى جديد.. إننى ما عدت أستطيع ذلك.. كفانى ما لقيته.. هل تعرف أنهم كادوا يطلقونى من زوجتى..
- لهذا الحد؟!
- نعم.. على أننى لحسن الحظ لم أكن متزوجًا  حينذاك فضاعت عليهم الفرصة.
- لقد انتهى ذلك العهد.. ولن تلقى اليوم.. ولن يلقى كتابك غير التقدير والتكريم والإشادة من المفكرين ومن الدولة على السواء.
- من يدرينى؟! .. من يدرينى..؟! أريد تأكيدًا من الدولة.. أريد ضمانًا.
- إن واقعنا الفكرى الاجتماعى هو خير ضمان..
- لم أعد أحتمل أى مغامرة جديدة .. من يدرى؟! .. اطبعوا الكتاب على مسئوليتكم.. ولا تطلبوا منى إذنًا بغير ضمان أكيد أطمئن إليه.
يقول «محمود عوض»:
هذه الكلمات قالها «عبدالرازق» فى سنة (1966) .. ثم مات.. مات بلا ضمان.
ومن هنا فإنى أعلم يقينًا أن شرف المقصد.. ونبل الهدف.. وصدق التوجه .. وإخلاص النية هو الذى دفع الرئيس «عبد الفتاح السيسى» إلى أن يتساءل فى انفعال: أيهما أعظم خطرًا  على الإسلام؛ دعوة البعض إلى تحييد السنة  .. أم قيام البعض بقتل الأبرياء باسم الإسلام؟!
لذلك فإنى أرى أن إقامة الفاعليات والمؤتمرات والمناظرات لمجابهة الرأى بالرأى الآخر.. وقرع الحجة بالحجة لن يؤتى ثماره المرجوة فى تفكيك الفكرة المتطرف ومواجهة قوى الشر والظلام.. ودحض ظلمات الجهل وغلو المتطرفين وضلالات الإرهابيين والمتاجرين بالدين.. بل بإزالة العقبات المقيدة التى ترهب المفكرين.. وأهمها قانون ازدراء الأديان .. ودعاوى الحسبة.. والتأكيد على مدنية الدولة حتى لا يقتل «الاجتهاد» من المنبع.. ولا يجهض نضاله لاجتثاث الجمود الفكرى من جذوره.>