الجمعة 25 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
«بطرس» و«محمود».. والإرهاب الأسود

«بطرس» و«محمود».. والإرهاب الأسود


أصدر المنبه الصغيرة حشرجة كالأنين مشيرًا إلى الخامسة صباحًا فاستيقظ الأستاذ «بطرس عبدالمسيح» واعتدل فى فراشه.. ورشم الصليب وأوقظ زوجته «أليس متياس» برفق فاستجابت بوهن فأوصاها أن ترتدى ملابسها بسرعة.. ريثما يوقظ طفليه.. «مينا» و«كاراس».. فخيرته بين أن يفطر بيضًا مخفوقًا أو فولًا مهروسًا.. ضايقه سهوها.. وقال بتوتر وهو يخرج من الحجرة على عجل: هل نسيتى أننا سنصوم طوال هذا اليوم صيامًا انقطاعيًا.. حسب تعليمات قدس أبونا «أنطونيوس» ؟!
خرج من الحجرة محتارًا.. هل يوقظ طفليه أولًا.. ثم يؤدى صلاة باكر.. أم العكس ؟!.
استقر به العزم أن يوقظ ولديه أولًا.
فرت دمعة من عينيه وهو يرى ابنه الأصغر مستغرقًا فى النوم محتضنًا صليبًا مصنوعًا من الورود البيضاء.. أوقظهما.. وخرج إلى الصالة.
استنكر أن يرى زوجته وقد ارتدت ثوبًا أسود اللون.. وقال لها ألم ينبه قدس أبونا ارتداء السيدات لثياب بيضاء؟!.. اليوم عرس لـ«7» شهداء وليس جنازة.. تقلصت ملامحها فى تأثر وقالت إنها اضطرت إلى ذلك فقد اكتشفت أن فستانها الأبيض تلف ولم يعد صالحًا أن ترتديه..
هبطوا الدرج.. وما إن تجاوزوا عتبة شقة الحاج «محمود عبد الودود» الذى يقطن وأسرته أسفلهم حتى فتحت زوجته «رتيبة» الباب وصاحت مؤنبة «أليس»:
- كده برضه يا «أليس»؟!.. ألم نتفق بالأمس أننا سنذهب معكم إلى «المنيا» للتعزية؟!
ومن خلفها أطل وجه الحاج «محمود» وهو يردد: مصابكم هو مصابنا.. وهذا واجب.. ونحن إخوة.. فى جنة الخلد إن شاء الله.
انطلق الأتوبيس الذى يقل عددًا كبيرًا من الرجال والنساء والأطفال من أمام مبنى كنيسة «مارجرجس» بشبرا.. حيث تقام جنازة الشهداء السبعة بكنيسة تابعة للطائفة الأرثوذوكسية بمحافظة «المنيا».. وهم ضحايا هجوم إرهابى على حافلات كانت تقل أقباطًا عائدين من زيارة دير «الأنبا صموئيل» والمدهش أنها الحادثة الثانية التى تتم بنفس التفاصيل فى نفس المكان وأسفرت عن استشهاد ثمانية وعشرين شخصًا.
وفى «المنيا» – كالمعتاد- قرعت أجراس الكنائس فى توقيت واحد بلحن حزين.. وتم وضع الجثامين فى صناديق بيضاء اللون بدلًا من اللون الأسود أو البنى – وهو التغيير الوحيد الذى تم عما هو معتاد – كما تم وضع إكليل الورد البلدى الأحمر فى إشارة إلى الدماء التى سالت.. وأسقف المنيا يقول للمشيعين أن اليوم عرس للشهداء وليس جنازة.. فتنطلق الزغاريد ممزوجة بالدموع.. فيردف أنه بالإضافة لكونه متألمًا وحزينًا فهو فخور لأن الشهداء صاروا فى وضع ومنزلة أفضل.. وغابوا عنا فقط ولكننا سوف نلقاهم.. كما أنه فخور لأن «المنيا» تقدم شهداء أكثر وأكثر.. إنه أكثر مكان يقدم شهداء فى العالم كله.. فتلتهب الأكف بالتصفيق الحار.. أما الشكر والامتنان فهو أيضًا موصول ومكرر يتردد بنفس الإيقاع الرتيب.. لقيادات الأمن ومحافظ «المنيا»..

فى طريق العودة قال الحاج «محمود» وهو يحاول أن يهدأ من روع «بطرس عبد المسيح» ويمسح دموعه مطمئنًا.. أن حديث الرئيس «السيسى» فى مؤتمر شرم الشيخ فيما يتصل بحرية الاعتقاد.. حديث واضح وحاسم من شأنه القضاء على دعائم ذلك الإرهاب الأسود.. وتصحيح الخطاب الدينى..
قال «بطرس» إن الحديث يعبر عن رؤية تبعث على التفاؤل.. فالكلمات جديدة على الأسماع.. عميقة الغور والاستنارة خاصة وأن المتشائمين يرون أن تصحيح الخطاب الدينى.. أصبح مستحيلًا رابعًا يضاف إلى المستحيلات الثلاث الغول والعنقاء والخل الوفى.
فالمعركة التى لا مفر أن يدخلها تصحيح ذلك الخطاب تزداد صعوبة وتعقيدًا لأن فتاوى التكفيريين تتنامى ولا تتقلص.. تنتشر وتتوغل فى الوعى والشعور الجمعى لدى الناس..تكاد تصبح مسلمات رائجة لا تقبل الجدل
إن التكريس المضطرد للكهنوت الدينى من شأنه أن يفشل دعائم الدولة المدنية التى ينبغى أن يحسم الصراع لصالحها..
قال «محمود»: اطمئن.. فأنا مازلت أرى أن الوعى الجمعى ذلك الذى تتحدث عنه ضد الانقسام.. والدليل على ذلك الخبر الذى نشر عن ذلك الراهب المصرى «مكاريوس» «الأورشليمى» ابن «أبو تيج».. ابن مصر البار وفخرها.. والذى قام مؤخرًا بالأذان لصلاة الفجر فى المسجد الأقصى بعد منع الأذان من كنيسة القيامة.. فجن جنون الصهاينة وكان الاعتداء عليه واعتقاله..
هذه هى «مصر» التى لم يفرقها الأعداء تحت أى مسميات على مر الأزمان.