
طارق مرسي
تأديب الإخوان وتجار الفتاوى المضللة فى القاهرة السينمائى
أعتبر أن الدورة الـ40 لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى التى اختتمت فعالياتها أمس الأول بروفة واعدة للدورات المقبلة سواء على مستوى الفكر السينمائى أو الإدارة وهى بالمقاييس الفنية والأفلام الفائزة ناجحة بدرجة جيد مرتفع، وهذا يصب فى مصلحة رئيس المهرجان الشاب محمد حفظى وفريق عمله.
فالدورة الـ40 التى يمكن أن أطلق عليها دورة «السجادة الحمراء» على المستوى الشكلى رفعت نصف طموح كبار النجوم وأيضًا المغمورات والباحثات عن الشهرة والحرية، فالسجادة الحمراء بدلاً من أن تكون الممر الإعلامى الآمن لكبار النجوم والضيوف الأجانب كما هى فى المهرجانات العالمية الراسخة أصبحت سجادة حمراء للجميع فى ساحة بيت الفنون الرفيعة «الأوبرا»، ويبدو أنها ابتلعت جزءًا لا يستهان به من ميزانية المهرجان التى وصلت لأول مرة إلى 40 مليون جنيه وهى أعلى ميزانية فى تاريخ المهرجان.. حتى إنها بدت قسمًا مستقلاً ضمن فعاليات المهرجان استثمرته القناة الراعية DMC فى تصدير صورة رائعة واستغلته الباحثات عن الحرية والمُغرمات بالملابس المثيرة وتجلى هذا فى حفل الختام، حيث استغرق استعراض الملابس قبل بدء مراسم الختام قرابة ساعتين، بينما الحفل أقل من ساعة من الزمن.
الدورة الـ40 استنسخت تجربة جونة ساويرس بالمسطرة التى هى بدورها مستنسخة من المهرجانات العالمية الكبرى، وإن زادت عنهما فى حجم «السجادة» الكبرى والديكورات والبوابات الضخمة فى ساحة الأوبرا.. وأقترح تجهيز مزاد لبيع هذه «السجادة» وهذه الديكورات لتخفيف النفقات.
وبعيدًا عن السجاة الطائشة والمغرية لاستعراض أهداف غير سينمائية وجائزة أجرأ فتسان الممنوحة لرانيا يوسف وجائزة الفستان الذهبى وجائزة الفستان الفضى لنجلاء بدر، والشعر البنى لياسمين رئيس، فإن نتائج المهرجان حققت التوازن بذكاء شديد ما بين الجودة الفنية والمجاملات الصارخة مع حفظ كبرياء صناعة السينما المصرية.. محمود حميدة النجم العملاق استهل فعاليات الختام بعد كبح غرائز الفنانات على السجادة الحمراء بكلمة عن سحر السينما ودورها الكبير فى تبادل الثقافات والتعبير عن آلام الشعوب، وهى كلمة تختزل امتنانه المسبق بفوز فيلم «ورد مسموم» الذى شارك فيه وأنتجته ابنته بجوائز فاخرة وهى جائزة صلاح أبوسيف «جائزة لجنة التحكيم الخاصة»، وجائزة صندوق الأمم المتحدة للشباب وجائزة أحسن فيلم عربى المقدمة من إحدى الجهات الراعية للمهرجان.
والفيلم ومخرجه «أحمد فوزى صالح» يستحقان المساندة والتشجيع، وفى المقابل حصد فيلم «ليلى خارجى» جائزة أحسن ممثل فى المهرجان ممنوحة لبطله «شريف الدسوقى» لعل الفيلمين بارقة أمل فى خلق جيل سينمائى واعد، أما جائزة أحسن ممثلة «صوفيا ساموشى» عن الفيلم المجرى «ذات يوم».
أما الجوائز الأخرى فتوزعت ما بين الفيلم التونسى «إخوان» من إخراج مريم جوبار وحصد جائزة يوسف شاهين لأحسن فيلم قصير، وفيلم «فتوى» وهو من تونس أيضا، والفيلمان يحملان رسائل سياسية مهمة فالأول عن سرطان الدواعش وتأثيره على عقول الشباب، أما الثانى فيلخص أزمة الفتاوى التى غطت سماء الوطن العربى للمتاجرين بالدين والأوطان، وفى سباق الجوائز حصل فيلم «ليلة الاثنى عشر عاما» على جائزة الاتحاد الدولى للنقاد والتى تحمل اسم الناقد الراحل سمير فريد وهو إنتاج مشترك بين أوروجواى والأرجنتين وإسبانيا.
وحصد فيلم «الزوجة الثالثة» الفيتنامى جائزة أحسن إسهام فنى، بينما حصل فيلم «طيور المعبد» الكولومبى الدنماركى المكسيكى على جائزة نجيب محفوظ.
أما جائزة الهرم البرونزى ضمن المسابقة الرسمية والدولية فقد فاز بها الفيلم البريطانى «طاعة» إخراج جايمى جونز، بينما انتزع فيلم «ليلة الاثنى عشر عاما» جائزة الهرم الذهبى ومعها 20 ألف دولار والتى انتقلت من جائزة الجمهور إلى الفيلم الفائز بالهرم الذهبى.
جائزة الجمهور التى استحدثها رئيس المهرجان «محمد حفظى» وكانت من العلامات المضيئة حُجبت وبالتالى تعكس تعثر إدارة المهرجان فى تحقيق الجدوى الجماهيرية ولعل القادم أفضل لها شريطة الدراسة المحترفة لتوسيع شعبية المهرجان وتحقيق الجدوى المادية والجماهيرية منه، أو منح جائزة خاصة لأحسن فستان على السجادة الحمراء لتكمل منظومة «السجاجيد» على أن يشارك فيها الجمهور؟!
أمام القائمون على المهرجان بعد البروفة الواعدة فى الدورة الـ40 الفرصة لتوسيع دائرة التكريم سواء على السجادة الحمراء أو منصة إدارة المهرجان، فهناك نجوم يستحقون التكريم يجب أن يكونوا على مائدة اللجنة الاستشارية العليا أمثال نجلاء فتحى وميرفت أمين ونبيلة عبيد ونادية الجندى ومحمود ياسين وحسين فهمى وهؤلاء تأثيرهم كان كبيرا و لولا أعمالهم لتوقفت صناعة السينما فى مصر خلال فترات الاستنزاف والحروب بعدما قادوا سفينة السينما إلى بر الأمان كنوع من «رد الجميل» والاعتبار لهم مع ضرورة فض الاشتباك مع نجوم السينما الحاليين أمثال منى زكى ومنة شلبى وأحمد السقا وكريم عبدالعزيز وأحمد عز فإن اختفاء كل هؤلاء يمثل ثغرة غير مفهومة فى مهرجان القاهرة السينمائى فى سنواته الأخيرة وأيضا لمحو الصور العبثية فى الوسط الفنى ونكران الجميل الذى يخترق كل الأجيال.
إدارة مهرجان القاهرة بتشكيلها الحالى قادرة على سد الثغرات وتكريم من يستحق.. وكما استجابت لروزاليوسف بتكريم سمير صبرى ودعوة الفنانة الكبيرة «نجوى فؤاد» فإن النجمين يستحقان أكثر من ذلك بكثير على المستوى السينمائى،وإذا كان المهرجان قد كرم سمير صبرى لدوره الإعلامى فى تاريخ المهرجان منذ أول دورة إلى الدورة الـ40 فإنه صاحب رصيد سينمائى ضخم تجاوز الـ200 فيلم تخللها أفلام أنتجها بنفسه وقدم فيها نجومًا كبارًا ويستحق سمير التكريم على مشواره السينمائى ومعه «نجوى فؤاد» إحدى راعيات المهرجان فى فترة الولادة والفطام.
ولعل شكوى «نجوى فؤاد» من عدم تكريمها وتخاذل القائمين عن السينما بلا تلاميذها- ونكران الجميل وفى مقدمتهم النجمة «يسرا» التى قدمتها فى أول فيلم سينمائى لها، وكما لمحت نجوى لى أنها لا تسأل عنها.
لقد حان الوقت بعد دخول مهرجان القاهرة السينمائى سن النضج أن يكون منصة ليس لتقديم المنتجات السينمائية بل لرد الجميل لكبار النجوم وتحقيق تواصل الأجيال وتبنى مبادرة إعادة زمن الفن الجميل لسينما مصر «أم الدنيا».