الجمعة 25 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الذين يملكون صكوك التفويض الإلهى

الذين يملكون صكوك التفويض الإلهى


رغمًا عنى تتقافز أمام عينى وفى مخيلتى وفى صحوى وفى نومى شياطين هكسوس العصر وكتائب التكفير.. وقد عادوا من كهوف تخلف ودمامة يحملون إرث القرن «13» بخطابه الكريه الأسود من جديد.. كانوا يعلمون أن مولانا «جلال الدين الرومى» لم يمت.. لأن رسالته السامية فى الحب لم تمت، فهى جوهر الوجود.. وسر الحياة.. لقد جاء ليخلص هذا القرن من التعصب الأعمى.. والتصادم المذهبى والخوف من الآخر وسوء الفهم الثقافى والفكرى والإنسانى.. وأحس أنه فى مثل هذه الأوقات تكون الحاجة إلى الحب أكبر من أى وقت مضى.. وقال فى خطبته الأخيرة قبل سبعمائة عام: «لا أنا بالمسيحى ولا باليهودى ولا بالمسلم ولا بالهندوسى أو البوذى أو الصوفى أو الصينى.. ولا من أى دين أو نظام ثقافى.. لست شرقيًا ولا غربيًا.. مكانى اللامكان.. علامة العلامات.. بل أنتمى إلى مملكة الحب.. إلى المحبوب».
لكن انحطاط الآخرين الذين أشار لهم «سارتر» فى مؤلفه «الوجود والعدم» بأنهم «الجحيم».. أبناء الكراهية وورثة عناكب وأشرار الأصوليين.. «عيال الفيسبوك» الذين حاكوا قشرة العصر السطحية ولم يدركوا أعماقها هؤلاء الأدنياء الذين تجمعت وتكاثرت نفايات فضلاتهم الرابضة فى قلوبهم المريضة.. طفت على السطح بجلاء ووضوح يخبرنا أن الأرض الطيبة لوثت.. ولم تتطهر بعد من الكثير من الأفكار الظلامية.. والدعاوى التكفيرية الكريهة ووصايا الشر الذميمه التى تكرس لكل قبيح وبذىء..
لقد تركوا كل فضائل الفن الجميل.. وروعة الأداء.. وقامة الفنان الجميل الراحل «جميل راتب» وأعماله البديعة وأخذوا يبحثون فى أصوله غير الإسلامية.. ويبرهنون على أنه مولود لأبوين فرنسيين.. ومتزوج من فرنسية.. وله ابنه سرية.. محاولين إثبات كل ما يدعم الفرقة والازدراء.. والانقسام.. فتشوا فى كفنه.. ولم يفتشوا فى صندوق أعماله.. فتشوا فى صدره عن درجة إيمانه ومقايس يقينه.. بدلًا من أن يفخروا بتاريخه المشرف والمضييء فى السينما والمسرح.. والتليفزيون.
ولم يختلف الأمر كثيرًا عند رحيل النجم العالمى «عمر الشريف» فقد انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعى حمى النبش فى ديانته.. وهل هو يهودى أسلم وتزوج النجمة المحبوبة «فاتن حمامة» أم أنه لم يغير دينه.. أم أنه لا مسلم ولا يهودى إنما مسيحى.. وأهملوا تمامًا الحديث عنه بصفته درة من درر السينما المصرية والعالمية والذى يعتبر الممثل الوحيد الذى عبر الحدود وانطلق ليحقق تميزًا عالميًا مبهرًا مع كبار المخرجين الأمريكيين والفرنسيين والبريطانيين.. ووقف أمام ألمع الممثلين.. وحصل على «الجولدن جلوب» أكثر من مرة.. بالإضافة إلى جائزة التسامح وهى الأولى من نوعها فى مهرجان البندقية عن دوره فى فيلم «إبراهيم.. وزهور القرآن» قدم من خلالها شخصية بائع كتب عجوز تنشأ بين وبين شاب يهودى صداقه قوية.. إنه ذلك التسامح الذى شمل أيضًا حياته الشخصة باعتناقه الإسلام وتزوجه من «فاتن حمامه» المسلمة.
والمفارقة أنه أحب بعد ذلك نجمة يهودية هى الممثلة والمغنية «باربا سترانيد» التى مثل معها فى فيلم « فتاه مرحة» فما كان من الحكومة المصرية وقتها إلا أن قامت بمنع عرض الفيلم لغضبها من قيامه بالتمثيل مع شخصية يهودية!!.
أما الفنانة هياتم فعند رحيلها انتشرت التعليقات على «الفيس بوك» الشامتة بين المؤمنين الصالحين الأتقياء باعتبار أن الفتوى السلفية تجيز الفرح بهلاك أعداء الدين وأهل الزندقة والبدع المغلظة والمجاهرة بالفجور.. فهذا أمر مشروع فانتشرت التعليقات على «الفيس بوك» المصحوبة بأدلة الإدانة الشامتة والفرحة بالتخلص بالموت من تلك الجرثومة شيطانة الإغواء ومعظمهم من الشباب.. أما أدلة الإدانة فهى عرض عدد من مشاهدها الماجنة.
إن ذلك المفهوم المتخلف الغبى لماهية المرأة باعتبارها كائنًا غير أخلاقى وغير إنسانى.. ومصدرًا للغواية ومنبعًا للرذيلة هو ما تبقى فى أذهان الشباب الذين بناء على فتاوى الدعاة والكتب الصفراء.. تحولوا إلى «مطوعين» يفرضون وصاياتهم الأخلاقية مرتدين عباءة الفضيلة والأخلاق الحميدة.. والسجايا العطرة والقدوة الحسنة ويمسكون بصكوك التفويض الإلهى بتوزيع عباد الله على «جنة الخلد» أو «نار جهنم» وبئس المصير.
أما ما حدث مع «فاروق الفيشاوى» بإعلانه الشجاع عن مرضه العضال وإيمانه المطلق فى خوض معركة – مهما كانت ضارية – ضده والانتصار عليها فبقدر ما آلمنى الخبر الداهم فقد أشاعت شجاعته التى تعكس نبلًا وسموًا وكبرياء جميلًا وترفعًا مدهشًا ورباطة جأش نادرة.. ونفس كريمة تزخر بمشاعر راقية وحس إنسانى فياض ورحب.. أشاعت هذه الشجاعة فى نفسى تفاؤلًا وأملًا براقًا فى أن يحنو الله عليه بنعمة الشفاء.
أما نفاية «الآخرون» الذين أشار لهم «سارتر» قائلًا: إن «الجحيم هو الآخرون» أبناء الكراهية وورثة عناكب وأشرار الأصوليين.. «عيال الفيس بوك» الحقراء هؤلاء الأدنياء الشامتون فى مرض الفنان الكبير والذين يمثلون الانهيار الأخلاقى الذى أصاب السلم القيمى للشخصية المصرية إصابة بالغة متمثلًا فى انحطاط المشاعر وفظاظة السلوك وتحجر الضمائر.. وخراب العقول التى سيطرت عليها فتاوى تكفيرية تصور لهم أنهم يملكون صكوك الوصاية على البشر.. فيمسكون بهراوات «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» ويعادون الفن والحياة والمرأة.. ويحتكرون ثقافة الحلال والحرام ويصنفون الناس ويحاكمونهم بموجب نفوسهم المريضة.. وكأنهم رسل الإنسانية لشيوع الفضيلة.. وسماحة الأخلاق المرعية.
فأى رعب أكثر من هذا سوف يجىء؟