الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رسائل «أمينة» و«خريستو»  فى مهرجان الإسكندرية السينمائى

رسائل «أمينة» و«خريستو» فى مهرجان الإسكندرية السينمائى


فيلمان أثارا الجدل وفتحا محاور النقاش فى الدورة الـ34 لمهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط الذى اختتم دورته الإثنين الماضى.
الأول هو الفيلم السورى «أمينة» قصة وإخراج أيمن زيدان، والثانى هو الفيلم المصرى «عمر خريستو» قصة وبطولة عاطف عبداللطيف.. «أمينة» كان ضمن أفلام المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة، والثانى عرض على هامش المهرجان وكان هو الفيلم المصرى الوحيد فى فعاليات المهرجان.
«أمينة» السورى خرج وبعكس توقعات السينمائيين بلا جوائز رغم قصته الإنسانية وعمقه السينمائى، و«خريستو» تعرض لانتقادات خرجت عن أصول التقييم رغم أنه يفتح ملفًًا هو الأخطر، الآن، على الساحة السياسية والاجتماعية أيضا، وهو ملف مكافحة مصر للإرهاب الدولى وتصدى الدولة له ببسالة وفداء.
الفيلمان تدور أحداثهما على خلفية سياسية، ويحملان قضايا ورسائل مهمة لكل من يهمه الأمر، وعلى عكس ما تقدمه السينما وموضوعاتها المستهلكة والتى تحمل طابعًا تجاريًا لايهمه سوى شباك التذاكر واللعب على جناح الربح دون مراعاة الذوق العام ورسالة السينما التى هى أداة فعالة لتوجيه الرأى العام والتأثير فيه.
فيلم «أمينة» يستعرض بعذوبة وكبرياء قصة صمود امرأة سورية تعرض ابنها الأكبر للإصابة فى المعارك السورية الدائرة حتى فقد الإحساس حوله وفشل الأطباء فى علاجه، وتحمل الأم العبء الأكبر فى مداواته أملا فى عودته للحياة مرة أخرى رغم فقر العيش بعد رحيل زوجها وعجز ابنها عن مواصلة المشوار ومساعدة والدته وأخته التى تدرس بالجامعة.
«الأم» فى الفيلم ترمز للصمود على خلفية أوضاع متوترة تعيش فيها سوريا الشقيقة وشعبها الأصيل ولجوء الأم والابنة الشابة إلى استخدام كل الوسائل لعلاجه.. فالأم تعمل من أجل إيجاد العلاج لابنها وسداد ديون متراكمة على زوجها وترفض التضحية بالابنة بالموافقة على زواجها من رجل يكبرها، رافضة إغراءاته لمساعدة الأسرة الجريحة واستمرار كفاحها ويموت الابن فى النهاية متأثرا بالقذيفة التى أفقدته الوعى والذاكرة.
يتخلل الفيلم وقائع إنسانية رقيقة ومؤثرة صنعها بمهارة النجم الشهير أيمن زيدان فى أول تجربة إخراج سينمائى له تنبئ بمولد مخرج عملاق إلى جانب سلاسة أداء بطلة الفيلم نادين خورى (أمينة) فى مقطوعة سينمائية عالية الجودة والتأثير.. ويستحق الفيلم جوائز كما توقع كل من شاهده لكن لحسابات غامضة خرج بدون جوائز وكان يستحق مخرجه ومؤلفه أيمن زيدان جائزة تقديرية أو تشجيعية فى أول فيلم له.. أما القديرة «نادين خورى» فتستحق جائزة كبرى كرمز للصمود والتماسك والكبرياء، فضلا عن الأداء المتمكن لدور «أمينة».. كما تستحق المؤسسة العامة للسينما السورية كل التقدير على تقديم هذه النماذج السينمائية التى تكتب تاريخ شعب يرفض الاستسلام ويريد الحياة.
أما فيلم «عمر خريستو» الذى شارك كعرض أول فى هامش المهرجان فيفتح ملف دور مصر فى مكافحة الإرهاب، ونبل القضية وحده يكفى لوضعه فى دوائر الاهتمام والتقدير.. وتدور أحداثه بين مصر ولبنان من خلال بطله عاطف عبداللطيف أو القبطان «عمر خريستو» الذى يفاجأ بوقوعه فى مصيدة تشكيل إرهابى لا يهدد حياته وابنته فقط بل يهدد الوطن، حيث تستغل إحدى الجماعات الإرهابية تعرضه للتحقيق وإيقافه عن العمل بعدة تأخره عن قيادة باخرته ثم تعرضها للحريق وتحاول استغلاله فى تهريب شاحنة مواد متفجر ة على خلفية سمعته الطيبة فى الموانئ المصرية واليونانية واللبنانية لتنفيذ مخطط إرهابى لتفجير منصات الغاز على الأراضى المصرية ضمن خطة تركيع مصر واستنزافها فى عمليات إرهابية مدبرة من قوى خارجية.
وينجح «عمر خريستو» وبمعاونة جهات أمنية مصرية فى إحباط المخطط الإرهابى الأسود.
الفيلم كما تقول أحداثه يحمل أكثر من رسالة وطنية ويؤكد أن الإرهاب صناعة صهيونية هدفها تخريب الوطن وهز استقراره وأمنه وتأكيد دور الجهات الأمنية المسئولة فى التصدى ببسالة وذكاء لهذه العمليات الإرهابية الرخيصة، وفى الوقت نفسه يؤكد عمق العلاقة بين الدول العربية بالتنسيق المستمر للقضاء على الإرهاب من خلال شخصية «دومنيك» فى الفيلم الفتاة اللبنانية التى ترتبط بعلاقة صداقة مع القبطان عمر خريستو وتقوم بدور العميل المزدوج مع الجهات الإرهابية والسلطات اللبنانية والمصرية. وتلخص دومنيك قضية الفيلم بوضوح بأغنية فى مستهل أحداثه المثيرة تقول:
«عيش راجل تموت مرة.. عيش جبان تموت كل يوم مرة.. إرهاب مافيا فساد.. هم مسيطر على البلاد خلو العيشة سواد.. يارب توب علينا دولا ناس مجانين مالهمش وطن ولادين وعلينا مزقوقين عشان نأكل بعضينا».
ويقدم الفيلم الوجه القبيح للجماعات الإرهابية من خلال جهادية الممثلة التونسية يسرا المسعودى، التى تقوم بعملية تفجير أمام أحد أقسام الشرطة بهدف هدم استقرار الوطن بأفكار عبثية تتاجر بالدين بنفس فكر ومنهج الجماعات المتطرفة التى كادت تنزلق بالبلاد إلى الهاوية لولا قيام الشعب المصرى بجميع فئاته فى 30 يونيو بإسقاط أجنحة المتاجرين بالدين والحفاظ على كيان وطن عريق وحضارة عميقة ومازالت الدولة المصرية تخوض الحرب على الإرهاب وتصفيتهم وتنقية مصر من الإرهاب والإرهابين نهائيا .
نجح بطل الفيلم عاطف عبداللطيف فى تجسيد عمر خريستو ببساطة وتقديم نموذج مشرف للمواطن المصرى الذى من الممكن أن يضحى بحياته من أجل وطنه، وكما يؤكد الفيلم على يقظة السلطات الأمنية المصرية وبراعة تصديها للإرهابيين من خلال دور الضابط «أحمد التهامى» فى واحد من أهم أدواره السينمائية كما لمع الوجه الجديد «مارتينا عادل» فى تجسيد دور الابنة بتلقائية واضحة.
عمر خريسو رغم كثافة أحداثه وإيقاعه السريع وتماسك بنائه الدرامى الذى وضعه السيناريست جوزيف فوزى فإنه كان من الممكن أن يكون أكثر عمقا على طريقة الأعمال المأخوذة من ملفات المخابرات المصرية.. أما المخرج سيف يوسف فقد تفوق على نفسه لتوصيل الرسائل المهمة للفيلم رغم إسرافه فى مشاهد «الفلاش باك» بصورة مبالغ فيها لكن فى النهاية يكفى صناع الفيلم شرف المحاولة وتأصيل الرسائل الوطنية التى حملها رغم الانتقادات التى طالته فى الندوة المقامة فى مهرجان الإسكندرية والتى ابتعدت كثيرا عن المناقشة الناضجة لفيلم يحمل ملفات وطنية نحن فى حاجة إليها لتنمية الحس الوطنى.
ويبدو أن معاناة الفيلمين «أمينة وخريستو» ما بين حرمان الأول من الجوائز رغم استحقاقه لها والتقييم النقدى المتربص لأسباب غير مفهومة لـ«خريستو» جزء لاينفصل عن معاناة المهرجان العريق نفسه رغم جهود رئيسه الأمير أباظة لإضفاء الحيوية والكبرياء على فعالياته رغم فقر الميزانية وضعف التمويل وعزوف أصحاب الأسماء الرنانة عن الحضور.
وتظل عناوين المهرجان اللامعة بدءًا من إطلاق اسم الفنانة القديرة نادية لطفى على الدورة أو تكريم أسماء كبيرة بحجم محمد فوزى وليلى مراد وكمال الملاخ وحسين القلا وحدها كافية لإضفاء الحيوية والأمان رغم أنف المتربصين لمهرجان مهم يقام فى محافظة صنعت تاريخ الثقافة والفن والإنسانية.

وأخيرا يتبقى الإشادة بنجوم السينما السورية والمشاركة الفعالة فى دورته الـ34 والإجماع الهائل على رسالة فيلم «دمشق حلب» إخراج القدير باسل الخطيب وبطولة النجم العملاق دريد لحام الذى استحق عن جدارة جائزة التمثيل الكبرى فى هذه الدورة.