الجمعة 25 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كلام من دهب بقلم أحمد بهاء الدين

كلام من دهب بقلم أحمد بهاء الدين


تمر السنون عامًا بعد عام وتحل ذكرى رحيل الكاتب السياسى الكبير «أحمد بهاء الدين» الـ21 دون أن تنتبه المؤسسات الصحفية المختلفة ولو بمقالة واحدة تذكر القراء بإنجازات هذا الرائد العظيم وإسهاماته الرائعة فى بلاط صاحبة الجلالة.. اللهم إلا مؤسسة «روزاليوسف» ومجلتها العريقة والقائمون بها على الكتاب الذهبى.. وحرصوا على إصدار مختارات من مقالات الأستاذ خلال فترة عمله ورئاسته للمؤسسة.. وكان ذلك فى ذكرى ميلاده العام الماضى.. ووكلت هذه المهمة للكاتب الصحفى العتيد «رشاد كامل» وقد أعلن ابنه «زياد» عن سعادته الغامرة بإصدار هذه المخطوطة وكشف أنها تثير الدهشة وكذلك الانزعاج من قدر ملاءمة كتابات «أحمد بهاء الدين» بشأن قضايا القانون والدستور والعدالة الاجتماعية والمرأة والحرية والفن والإبداع والعروبة والنمو الاقتصادى وغيرها لعصرنا وظروفنا الراهنة وكأنه يكتب وهو جالس بيننا.. يتابع ذات الأخبار ويسمع ذات الوعود وينصت للناس ويشعر بهم.. فهل كان بعيد النظر لهذا الحد.. أم أننا لم نبارح موقعنا بعد كل هذه السنوات؟!.
تنطبق العبارة السابقة على مقال له بعنوان «بين مشايخ الجامعة وبناتها».. يتحدث فيه عن ثلاث طالبات من كلية الحقوق بجامعة القاهرة.. واجهته إحداهن بمقدمة منطقية مفادها أن سماح المجتمع للفتى والفتاة بتلقى العلم فى مكان واحد والتفكير بأسلوب واحد معناه أنه لا حرج على الفتى إذا تحدث إلى الفتاة أو بادلها كتابًا أو تمشى معها فى الفناء.. ولكن هناك من أساتذة الجامعة من يرفضون الاعتراف بهذا الوضع..مثلًا فضيلة الأستاذ الشيخ «محمد أبو زهرة» أستاذ الشريعة الإسلامية فى الكلية الذى يقف فى شرفة حجرته إذا رأى طالبًا وطالبة يتحدثان صاح فيهما بصوت غاضب وثائر : «يا ولد ابعد عن البنت».
وقد تقدم فضيلته إلى عميد الكلية طالبًا إصدار الأمر بمنع الطالبات من الجلوس فى بوفيه الكلية حيث يجلس الطلبة.. وفى إحدى المرات رأى طالبًا وطالبة واقفين عند باب المدرج يتحدثان.. فزغد الطالب بشدة وصاح فيه: إيه المسخرة دي؟!.
ويقول الأستاذ «بهاء» أن إقامته هذا الحاجز من التحريم حول الطالبات يجعل وضعهن فى الجامعة بين الطلبة خجلًا.. إذ يصبحن من المنبوذات أو شيئًا يبعث وجوده على الخجل ويجعل الاقتراب منه خطيئة.. والنظر إلى علاقة الزمالة البسيطة بين الطلبة والطالبات على أنها أمر عادى هو الذى يؤدى إلى إيجاد نوع من الثقة.. والفهم بين الجنسين ويجعل كلا الطرفين ينظر إلى الآخر نظرة هادئة لا يشوبها القلق أو التوتر.. أما إلقاء الشكوك والريب مقدمًا وبغير مبرر على هذه الزمالة فهو يؤدى حتمًا إلى إثارة القلق وإذكاء حب الاستطلاع بين الطرفين بل إلى دفع كل من الطرفين إلى البحث عن مسارب خفية لهذه العلاقة لا يمكن مراقبتها أو توجيهها.
لم تقتصر إذا مقالات «أحمد بهاء الدين» على الكتابة فقط فى مجال السياسة.. بل شملت جميع مناحى الحياة.. ومنها مقال كتبه عن أنيس منصور يقترح فيه حلًا لمشاكل الشباب أن تعود بيوت الدعارة لفتح أبوابها بوصفها «دورات مياه للحياة» لابد منها لكى يصرف الشباب فيها فيض حيويتهم.. وعلى أساس أن انحرافات الشباب مرجعها حرمانه الجنسى.
وقد وافق يوسف السباعى على اقتراح أنيس منصور وزاد عليه أن تتولى الحكومة إقامة بيوت للزواج المؤقت على شاطئ النيل بحيث يقسم المكان إلى درجات ويزود بالأطباء والمأذونين وتعمل فيه الزوجات المؤقتات بموجب عقد وبأجر ويكون الدخول بالبطاقة بحيث لا تزيد زيارة الزائر عن مرة فى الأسبوع.. مع تزويد المنطقة ببعض أماكن اللهو والتسلية بحيث يستطيع المرء أن يقضى فيها بعض الوقت ويرعى نفسه من عناء الجهد والعمل.
ويسخر «أحمد بهاء الدين» من اقتراح «يوسف السباعى» مرددًا: نستطيع أن نستنتج من مشروع يوسف السباعى أنه اشتراكى النزعة، فبيوت البغاء القديمة كانت بيوتًا حرة.. مملوكة لأصحابها لكنها فى مشروع يوسف السباعى ستكون مرفقًا تابعًا للدولة ربما أخذًا بسياسة التأميم.
ويرى بهاء أن رأى أى كاتب فى هذه المشكلة يكشف عن رأيه فى كل المشاكل الأخرى سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية.. أى يكشف عن موقفه من قضية المجتمع كله.. وبما أن المجتمع يتكون من الرجل والمرأة فعندما نقول مشاكل الشباب والشابات فإذا فرضنا جدلًا أن فتح بيوت الدعارة فى جزيرة «يوسف السباعى» تحل مشاكل الشباب.. ألا يكون من المنطقى أن نبحث عن جزيرة أخرى للبغاء تتردد عليها الشابات؟!.. إننى أكاد أرى الصدمة التى تصيب القارئ عند قراءة هذا الاقتراح... وأننى أحس معه بالتقزز لمجرد التفكير فيه.. لماذا؟ّ.. لماذا نتقزز لمجرد التفكير فيه ولا نتقزز من فكرة البيوت التى يتردد عليها الرجال؟!.. أليست العاملات فى هذه البيوت من النساء؟!.. السبب هو أننا تعودنا منذ زمن قديم أن تكون المرأة هى الخادمة للرجل وتابعته ومتعته.. وأن من حق الرجل -بوصفه جنسًا متفوقًا- أن يكرسها لخدمته.. وأن يضعها -لحسابه- فى أحد المواضع فى بيوت البغاء.