الجمعة 25 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
هيكلة الأديرة هى الحل

هيكلة الأديرة هى الحل


إذًا، فإن شعار «المواطنة فوق الطائفية» هو الشعار الذى رفعه البابا تاوضروس- فى ثورته الإصلاحية القادمة – فى مواجهة شعار «حتمية الحفاظ على هيبة الكنيسة» الذى يرفعه المحافظون المتشددون من أقطاب الحرس القديم.. وجماعة «حماية الإيمان» وهو يعنى أن ما يحدث فى الكنيسة وللأقباط هو شأن داخلى خاص كضرورة للحفاظ على تلك الهيبة التى تخلط بين ما هو دينى.. وما هو اجتماعى أو سياسى.. أو فى.. وبين ما هو مقدس.. وما هو غير مقدس.. وبين ما هو عقائدى وما هو دنيوى.. وهو مفهوم خطير ظل مسيطرًا ومازال على عقول قيادات الكاتدرائية وانسحبت تلك السيطرة بالتبعية على عقول الرعية.. ففرضت وصاية الكهنة على حياة الناس وحصرت الأقباط وعزلتهم واختصرتهم فى وصايا الطاعة والإمتثال والسلبية وأبعدتهم عن المشاركة الاجتماعية فى شئون وهموم الوطن.. والغريب والمحزن فى هذا الأمر أن ما نردده منذ سنوات عن ضرورة تجديد الخطاب الدينى درءا لعواصف عاتية سوف تأتى لا محاله كرد فعل للعنت والتمسك بأصولية عتيقة.. تكرس لتلك الوصاية الكهنوتية على مقاليد الأمور ومختلف شئون الحياة الدينية والدنيوية للأقباط.. إن ما نعاود المطالبة به الآن – ويسعى إلى تحقيقه هذا البطريرك المستنير «تواضروس» – كان شغلنا الشاغل منذ أكثر من خمسة عشر عامًا.
فى عام (2005) زلزلت قضية «وفاء قسطنطين» أركان مؤسسة أبت إلا أن يصبح الشأن المسيحى شأنًا خاصًا محاطًا بالسرية التى تفرض سياجًا حديديًا، كانوا يتصورون أنه غير قابل للإختراق وكتب وقتها المستشار «طارق البشرى» صارت وفاء شأنًا كنسيًا وديريًا خالصًا تنحسر عنه كل سلطات الدولة بحيث يكون مغلقًا ومتعاليًا حتى على الجماعة الوطنية.
فحينما هربت من منزلها تمردًا على قيود كبلتها فى حياة زوجية تعسة – وهو شأن اجتماعى خاص – تشبثوا لإعادتها إلى حظيرة المسيحية وتسليمها للكنيسة.. وقد كان لهم ما أرادوا.. وتم التسليم فى مشهد تراجيدى مأساوى لتساق إلى حبس انفرادى تسحق فيه إرادتها.. وتغتال فيه حريتها الإنسانية.. وتقهر فيه رغبتها فى التفرد والتمرد على قوانين وتقاليد لا ترغب فى ممارستها أو الانسياق فى إطارها.
المهم أنه حينما تم لهم ما أرادوا وسلمت لهم «وفاء» أعلنوا أن الزوبعة قد هدأت وأن الأمور قد استقرت وأن الأمن قد شاع واستتب.. وأن النفوس قد رضيت واطمأنت.. ولينم الجميع ملء جفونهم فقد انتهى الموضوع.. مع أن الحقيقة أن الأمور لم تستقر.. والنفوس لم تطمئن.. بل على العكس.. ذلك لأن عودة «وفاء» زائفة.. فإحساسها بالقهر – حتمًا – تصاعد.. ونفسها المضطربة – يقينًا- ازداد اضطرابها.. وجوهر القضية الاجتماعية والنفسية والإنسانية لن يحل بارتداء الجميع الأقنعة.
وما لبثت أن تكررت القصة بنفس تفاصيلها متمثلة فى «كاميليا».. وهى أيضًا زوجة لكاهن بمركز فى محافظة «المنيا».. وأيضًا فسر هروبها تفسيرًا طائفيًا.. وأيضًا تم حشد المئات الغاضبين من أبناء الكنيسة فى سيارات إلى الكاتدرائية بالعباسية.. وهناك تظاهروا لإعادة «كاميليا».. ولم يلجأوا إلى الأمن.. ولم يهدأ بالهم إلا حينما عادت.. فحملوا زوجها – الذى هربت من سوء معاملته لها والذى اتهمها فى شرفها وادعى أن وراء هروبها مدرسا زميل لها مُسلما – حملوه على الأعناق يهتفون بحياته ويقبلون أياديه الطاهرة.. ويذهبون للكنيسة للاعتراف له بآثامهم وخطاياهم.
لكن تجرى فى النهر مياه كثيرة.. وبعد وفاة البابا شنودة.. واستيلاء قراصنة المكفرين على الحكم وجلوس البابا «تواضروس» على الكرسى المقدس ليقود سفينة الأقباط وسط أمواج عاتية وأحداث صاخبة ومناخ طائفى محتدم، صرح منذ اليوم الأول بعدة تصريحات مهمة منها أن الشباب القبطى الآن ينضم إلى الحركات السياسية والأحزاب ويتوجه بمطالبه للدولة وليس للكنيسة.. كما أعلن رفضه للحوار الوطنى الشكلى وسعادته لرؤية المسيحيين يشاركون فى الاحتجاجات ويعربون عن آرائهم السياسية منذ ثورة يناير (2011).. وقال إن المسيحيين جزء من تراب هذا الوطن.
ومن هذا المنطلق الوطنى الذى يحرص البابا «تواضروس» على إبرازه وتفعيله لإذكاء روح الانتماء والحمية التى تتجاوز الإنقسامات الطائفية والتخندق فى شرنقة التعصب المقيتة.. فإنه عندما استهدفت الكنيسة البطرسية بالعباسية فى العملية الإرهابية التى فجر فيها ارهابى نفسه بحزام ناسف داخل الكنيسة الأثرية.. أحسن البابا تواضروس أيضًا إلى الإسراع إلى التأكيد – من خلال كلمته – أن المصاب مصابنا جميعًا كمصريين.. منتبهًا إلى أهمية عدم تصنيف القضية تصنيفًا دينيًا.. فمن زرع قنبلة أمام مسجد السلام بالهرم.. واستشهد ضباط وجنود ومدنيون يؤكد أن الإرهاب يمارس ضد المصريين.
إن الإرهابيين التكفيريين لا دين لهم ولا هوية.. ولا ضمير ولا إنسانية.
مما سبق يمكننا أن نقول أن الثورة الإصلاحية التى بدأ البابا فى تفجيرها تعنى بالضرورة إنه إذا كانت عملية إعاة هيكلة الأديرة هى نقطة الإنطلاق.. فإن تصحيح الخطاب الدينى برمته هو الهدف الأسمى.