
محمد جمال الدين
لا يحدث سوى فى مصر!
يوم الإثنين الماضى تلقت غرفة العمليات المركزية بمحافظة القاهرة، أغرب بلاغ يمكن أن تتلقاه أى جهة مسئولة عن خروج عربات مترو مصر الجديدة (الترام) عن مسارها بسبب الهواء، مما تسبب فى اصطدامها بعدد من العربات التى اعترضت طريقها وأدت إلى إصابة بعض المواطنين، وحسب البيان الصحفى الصادر عن محافظة القاهرة تبين أنه أثناء إصلاح المترو المعطل، تحرك فجأة بفعل الهواء خاصة مع وجوده فوق منحدر مما أدى إلى اصطدامه بعدد خمس سيارات وأصاب 6 مواطنين، من بينهم سيدة تم نقلها لمستشفى الجلاء، وآخر تم نقله لمستشفى هليوبوليس وانصرف الآخرون لإصابتهم بإصابات خفيفة.
عقب وقوع الحادث تم القبض على سائق الترام وعدد خمسة أفراد من طاقم الصيانة، بعد أن تبين أنه أثناء إجراء عملية الصيانة للترام فوجئ فريق إصلاح العطل بتفريغ فرامل الهواء، وهو ما ساعد فى تحركه من مكانه بفعل الهواء بشكل مفاجئ، مما أدى إلى الفشل فى السيطرة عليه، ليستمر فى مساره من ألماظة حتى وصل إلى ميدان سفير، هناك خرج على القضبان ليصطدم بالجزيرة الوسطى، عقب عبوره لأكثر من مزلقان كاسحًا وصادمًا من أمامه كل ما اعترض طريقه، منهيًا بذلك رحلة البحث عن ضحايا جدد سواء بشر أو سيارات أو ممتلكات عامة، حادث يصلح كعمل درامى ليقدم على الشاشة بعد أن توفرت له أغلب عناصر التشويق والإثارة، ولكنه يثبت فى الوقت نفسه أننا نعيش وسط كم كبير من الإهمال، الذى سكن فى وجدان المصريين، ويثبت أن كل محاولات الإصلاح لم ولن تنتهى بين ليلة وضحاها، بل ستأخذ الكثير من الوقت، الذى من خلاله يمكن أن نغرس فى عقول أطفالنا وليس كبارنا الذين اعتادوا هذا النهج، خاصة أن الإهمال يعد من أكثر الأمراض التى تؤدى إلى تأخر وتراجع الدول.
القارئ للبيان الصادر عن الحادث من غرفة عمليات محافظة القاهرة يدرك تجاهله لجميع عناصر الأمن والسلامة، التى يجب اتباعها عند إجراء عمليات الإصلاح وبحكم أن المحافظة هى الموكول إليها الإشراف على هذه الوسيلة (الترام وأتوبيسات النقل العام)، ولكنها الفهلوة التى اعتاد عليها الناس فى بر مصر، وهى نفسها التى لعن الله من يأخذ بها ويعمل من خلالها، ترام طائش يسير على القضبان دون أن يردعه رادع ويهرول من خلفه أفراد فريق الإصلاح أو السائق الذى لم أعرف سبب القبض عليه، طالما أن الترام كان فى عهدة فريق الصيانة، الغريب أن هذا الترام الطائش لم يعد يستخدمه أحد، ودراسة الجدوى الاقتصادية له تؤكد أن ما يحققه من خسائر يفوق بكثير ما يحققه من أرباح، ودليلى على ذلك أن أغلب خطوطه قد تم رفعها والاستغناء عنها، (ولكن نقول إيه) فقد يرى البعض أنه لابد من تركه ليحصد فى البشر والممتلكات، لعله يساعد فى التخفيف من أزمة زيادة السكان التى تتميز بها مصر، المترو أو الترام ياسادة فى جل بلاد العالم يعد وسيلة مواصلات لتسهيل انتقالات المواطنين من مكان لآخر، ولم يكن أبدًا وسيلة لحصد البشر والممتلكات، ولكنه فى مصر فقط دون غيرها من باقى البلاد أصبح وسيلة لمن يستخدمه لإهدار الوقت المصحوب بإهدار الأرواح أيضًا، بخلاف كونه أصبح وسيلة أساسية ومعتمدة فى إنهاء الحياة لكل من تسول له نفسه الانتحار.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.