
طارق مرسي
الديزل وبنى آدم.. سينما تصدير الإرهاب
الآن.. سينما الأكشن فى مصر أصبحت صنفين، الأول يعتمد على المنهج البراجماتى النفعى واللعب فى الدماغ وشوية ضرب وأنهار من الدماء على الشاشة ، أما الثانى فيقوم على مذهب المادية الجدلية ويختبر ذكاء الجمهور بأحداث أعقد من هيتشكوك نفسه.
الأول بطله «محمد رمضان» الذى دأب على الاستخفاف بعقل المشاهد ولا يفكر إلا فى شباك التذاكر والملايين أما الثانى فبطله «يوسف الشريف»، والاثنان نجما هذا الجيل فى التليفزيون والسينما فى غيبة وغيبوبة نجمي سينما الأكشن، الأحمدين «السقا» و«عز»، ولأنهما باختصار لا يتاجران فى الصنف الذى يحتكره رمضان والشريف. الأول يمارس البلطجة ويتفنن أمام الكاميرا فى الضرب و«بقدرة مخرج» ينتصر على الأجسام الضخمة مهما كانت فحولتهم وحتى اليابانيون الشجعان مثلما فعل فى فيلمه «الديزل» رغم أن رمضان بدنيا لا يختلف عن «الضيف أحمد» أما الثانى فهو نجم الرمى بالرصاص كما فعل فى فيلم «بنى آدم».
الأول هدفه إرضاء جمهوره من المراهقين والتنفيس عنهم بالعنف، أما الثانى فإنه يلاعب جمهوره دور شطرنج وكش ملك فى النهاية وفى معظم أعماله لا يفهم كيف كسب؟.
فى فيلم الديزل محمد رمضان «بدر» وهو دوبلير حسب الطلب ثم يعمل سائقا لنجمة سينمائية «دنيا الصياد» أو ياسمين صبرى ويكشف كواليس الفنانين والأساليب الخفية فى التنازلات التى يقدمونها، وبعد تعاطفه مع أزمة النجمة الشهيرة ومحاولته مساعدتها تقع أخته (هنا شيحا) والتى نكتشف بعد ذلك أنها عشيقته وتعيش معه فى منزل واحد فى مصيدة مافيا تسخير الفنانين لحسابهم وزعيمهم السادي (فتحى عبد الوهاب) الذى يتلذذ بتعذيب النساء فى وكره وقتلهن ولا يلحق رمضان لإنقاذ عشيقته، وتقتل، ويقرر الأخذ بثأرها على طريقة «دائرة الانتقام» حتى يتمكن من تصفيتهم.
أما الثانى، يوسف الشريف، فهو لص محترف فى ثوب رجل أعمال وبعد سرقة بنك يتطلع لسرقة ذهب فى أكبر عملية سرقة (نصف طن ذهب فى المطار أو100 ألف سبيكة ذهبية قادمة من إيطاليا بعد استخراجها من منجم السكرى) يرسمها الرجل الكبير «محمود الجندى» أو الأستاذ.
الفارق بين الفيلمين أن الأول ينتقم من عصابة تجنيد الفتيات الحالمات بالتمثيل بنفسه رغم مساعدة الأمن له واستخدامه كمرشد. فهو هنا أقوى من الشرطة «حضرته»، أما الثانى بعد تعقب الشرطة له ثم استخدامه للقبض على العصابة الكبرى وزعيمها مقابل تسوية ملفه الإجرامى وينجح بمساعدتها فى القضاء على العصابة من جذورها.
رمضان فى الديزل للمخرج كريم السبكى «أنتى بوليسي» أو ضد البوليس وأقوى من رجال الأمن أما الشريف فى بنى آدم فـ«بوليسى» أو يتعاون مع الشرطة لصيد الخارجين عن القانون.
أما «بنى آدم» للمخرج أحمد جلال فغلب عليه التطويل والمبالغة وتعقيد الأحداث والفلسفة الزائدة واختبار ذكاء الجمهور الذى أغلبه من المثقفين المشبعين بالأزمات والمعارك المعيشية ويلجأون للسينما للترفيه وبحثا عن المتعة- وهذا ليس تقليلا من شأن مؤلفه القدير «عمرو سمير عاطف» أو مخرجه أحمد جلال- واستغرق أكثر من ساعتين من الزمن، أما «الديزل» فبلغت مدة عرضه ساعة ونصف الساعة لجمهور معظمه تحت السن وأطفال ومن هنا تأتى خطورة هذه النوعية من الأفلام.. فالصبية يقلدون «رمضان» فى أمور البلطجة أما الأطفال فتغذى أغنيات المهرجانات التى يقدمها ثقافة العشوائيات التى تسعى الدولة إلى استئصالها للقضاء على التطرف والعنف، كما أن الواقع يحشد مئات القصص الهادفة وفى حياة شهداء الوطن عشرات الروايات التى تصلح للعرض وأخذ العبر بدلا من تصدير التفاهات وتسويق حيل السرقة وصور النهب والتخريب .
فى مصر أيضا عمالقة تمثيل وإبداع يجب استخدامهم فى خدمة المجتمع باعتبارهم القوة الناعمة ومرآة المجتمع، وفى الفيلمين برزت أسماء قديرة مثل محمود الجندى، وواعدة مثل دينا الشربينى وهنا الزاهد فى «بنى آدم» وفتحى عبد الوهاب وهنا شيحا وياسمين صبرى في «الديزل»،
فى سينما الأكشن باعتبارها موضة هذه الفترة لم ينجح أحد.. وأمام «رمضان» وهو يملك الموهبة، فرصة لإعادة ترتيب أوراقه قبل نفاد رصيده، كما أن على «يوسف الشريف» بعد أن صنع قاعدة جماهيرية تطوير مشروعه وتبسيطه واستثمار إمكانياته فى أعمال هادفة بعيدا عن الألغاز المعقدة والسينما الميتافيزيقية «غير طبيعية» واختبارات ذكاء المشاهد وتعذيبه.