
طارق مرسي
مطلوب تجديد الخطاب الغنائى
أمس «قلب الأسد» و«الأسطورة» و«النسر».. واليوم «نمبر ون» و«الملك».. وغدًا «الديزيل» وربما قريبًا فى مستشفى المجانين لفحص قواه العقلية.
أتحدث عن النجم المعجزة «محمد رمضان» التى سمحت له الأقدار أن يتصدر المشهد ويتحول فجأة إلى بطل شعبى بل ونجم شامل ويمثل ويرقص فى السينما والمسرح والتليفزيون وفى قصره.
الكارثة العظمى اقتحامه المشهد الغنائى وإعلان نفسه على قناته باليوتيوب مغنيًا ضد القانون والنقابة وقواعد المنطق الأرسطى الذى يفترض نتائج من مقدمات، أقول قولى هذا بعد الضجة التى أثارها بأغنيته السخيفة «أنا الملك» وكأن الوسط الغنائى فى حاجة إلى «عبقرية رمضان» لتجديد الخطاب الغنائى.
فإذا كان «رمضان» قد جرب الغناء فى أعماله السينمائية ليس لضرورة درامية بل تسويقية ودعائية فإنه تسلل إلى أهل الغناء لتوجيه رسائل لمنافسيه بأنه الفنان الذى لا يقهر ورقم 1، وكأن الشارع الغنائى ناقص أوجاع ومآسى وتفاهات بعد أن تحطم السلم الموسيقى وسمح للآخرين بتسلقه مثل الذى يصعد على مواسير المجارى للسطوح والقمة.
فعندما أعلن أنه تجاوز نسبة الـ 30 مليون متابعة ومشاهدة بأغنيته كأنه يقول أنه مطرب مصر الأول فضلا عن معايرة منافسيه وأساتذته فى شاشات العرض التليفزيونى والسينمائى.
«رمضان» وجد نفسه الخميس الماضى مطلوبًا للتحقيق فى نقابة الموسيقيين ليس لأنه خدش الذوق العام واستفزاز منافسيه، بل لأنه خرق لوائح النقابة والسماح لنفسه «الآمارة بالسوء» بالغناء دون الحصول على تصريح رسمى كما هو متبع فى الغناء أو حتى دفع الرسم النسبى المعمول به للدخلاء من غير أعضاء النقابة ولأنه بطل خارق تدخلت نقابة السينمائيين والممثلين لتسوية الموضوع بمبدأ «ابننا وبندافع عنه قبل الوقوع فى الفتنة» وإصدار بيان لتوفيق أوضاعه مع الموسيقيين بينما رمضان مدان حتى بعد أن يثبت براءته وبالطبع ستغلق النقابة الملف بمجرد دفع الفدية وعليه العوض فى تهمة إفساد الذوق العام والتجرؤ على زملائه والتقليد الأعمى للعبقرى أحمد زكى «النجم الأسمر» والتلميح بأنه ملك الغابة بينما الآخرون «بروتة» فى كليب أغنية فى قصره وعلى فرشته وبسينه ونموره وسياراته.
كارثة «رمضان» تعكس من ناحية أخرى ارتفاع النسب البيانية - والعبث الحاصل فى الوسط الغنائى والتدنى فى هذا الوسط الذى يفتقد للزعامة والسيطرة لانشغال قياداته بالسبوبة واهتمام رموزه بالأغنيات الاستهلاكية لأغراض الغناء فى المنتجعات والمصايف بألحان مسلوقة.
(راجع مثلاً أغنية «لواتساب» لعمرو دياب التى أطلقها كأغنية استنزافية واستباقية) تمهيدًا لطرح ألبومه الجديد على خلفية قصة حبه الجديد مع الممثلة دينا الشربينى بعد أكذوبة برج الحوت.. ويبدو فيها غير مهتم بجمهوره ودراويشه خصوصًا على مستوى اللحن متسلحًا بجنون العظمة وبأن عشاقه سيفتحون قلوبهم لأى جديد له تحت شعار «خيره سابق» ومازالت علامات الاستفهام تحيط بباقى أغنياته المنتظرة.
فى المقابل وفى نفس السوق العبثى طرح «تامر حسني» الملقب بمطرب الجيل ألبومه وبدأ فيه يراهن على دويتو مع أحمد شيبة على غرار عمرو دياب ومقتحمًا الغناء الشعبى بأغنية «ميت وش»، «تامر» مازال يعانى من أزمات «الأنا» والأنا الأعلى والضمير وأن معركته ليست مع جمهوره بل لتصفية «عمرو دياب» فى «غزوة الدويتو» وأيضًا إعادة إنتاج الفكر العندليبى عندما قدم الغناء الشعبى ولكنه ليس على طريقة «محمد رشدي» بل الطريقة الحليمية ولذلك نجح، أما «تامر» فيقدمها منافسًا نجوم الغناء الشعبى مستخدمًا نفس أسلحتهم ومناهجهم لتتحول موضة الغناء فى 2018 ما بين المعايرة بدون فانلة داخلية مع «شوية نمور» وسيارات فى القصر المسحور مع محمد رمضان، والاستعراض والاستسهال والتقليد بشورت وفانلة وكاب على طريقة «عمرو» و«تامر».
الغريب أنه بعد رمضان وعمرو وتامر تدخلت سميرة سعيد بأغنيتها «سوبر مان» ويبدو أن المطربة الكبيرة تعانى من حالة عدم الاتزان الغنائى وتحاول بعد إنكار الذات والابتعاد إلى مرحلة إثبات الذات بتقليعة وقضية غنائية لا تليق بإمكانياتها واحساسها الفريد من نوعه وهى قضية فيما بعد الزواج ينكشف المستور و«الكرش الذى يبان» رغم كتالوجها الغنائى المميز وهى بالتالى فى حاجة لترتيب أوراقها لعودة الإحساس العملاق مرة أخرى.
أما وحش الميكروفون «شيرين» فهى مشغولة بشهر العسل وربما يطول غيابها انتظارًا لولى العهد الجديد من زوجها الموسيقار الموهوب وعودتهما قد تطول وحتى إشعار آخر.
ومع شيرين تواصل «أنغام» الغناء فى الركن البعيد الهادى دونما إعلان حالة الحرب ومثلها آمال ماهر التى اكتفت بحفلات المناسبات لإرضاء جمهور خاص جدًا وحضارى وإهمال جمهورها مثل أنغام تمامًا.
إن الشارع الغنائى فى مصر بحاجة لثورة تصحيح شاملة ليس باعتباره رمانة ميزان المشاعر فى مصر بل والعالم العربى.. ويبدو أن عبدالحليم حافظ تركه لقارئة فنجان لا ترحم فى طريق مسدود.. مسدود لكنه يسمح بمرور كل من «هب ودب» مثل «رمضان» المسيء للغناء بعدما نفد رصده واستسهال «أولى الأمر» الآن.
أحوالنا الغنائية فى حاجة إلى إصلاح لتهذيب الذوق وتوجيه الرأى العام وشحنه.. وتوحيد المشاعر فى هذه المرحلة سواء على مستوى الأغنيات العاطفية أو الوطنية.. وليس للتغيب والاستعباط.
نحتاج إلى إصلاح شامل للتوازى مع الإصلاحات على أرض الواقع وإنقاذ الطرب من حالة التسيب الكامل والإرهاب.. فمصرنا الغالية تستحق فى عهد البناء وجهود الدولة لتطوير التعليم والبحث العلمى وتقليص الاعتماد على الخارج للعودة للأصالة والجذور من أولى الأمر.. وتلوح فى الأفق محاولات مدروسة من وزيرة الثقافة المبدعة إيناس عبدالدايم فى منح الدعم لمستحقيه فى محافظات مصر وقصور ثقافتها لاكتشاف المواهب بعيدًا عن «قصر محمد رمضان»، ومن دار الأوبرا مركز إحياء للفن المصرى الأصيل، فنحن فى حاجة إلى الإسراع بتجديد الخطاب الغنائى من أجل الارتقاء بذوق أبناء وطن يستحق الفداء والحب كله.>