
محمد جمال الدين
فى جريمة الرشوة.. «أبجنى تجدنى»!!
ما الذى حدث للمصريين؟ هل هناك أزمة أو مشكلة انتابتهم وسكنت فى أذهانهم، فجعلت من البعض نفوسهم ضعيفة فقبلوا أن يحصلوا على ما هو ليس من حقهم، وهل شعبنا المتدين بطبعه ومقيم الشعائر الدينية فى أوقاتها، والمتميز بالتسامح وحب الخير ومساعدة الغير، وصل به الحال أن يسرق أو يقبل أن يرتشى ؟ وهل ظروف الحياة وارتفاع تكاليف المعيشة تجعل البعض يمد يده ليقبل الرشوة بضمير مستريح، لدرجة وصل معها الأمر إلى أن يتخذ من هذا السلوك منهجًا وطريقًا لحياته؟.
جميعها أسئلة لابد وأن نبحث لها عن إجابات لدى علماء علم النفس والاجتماع، خاصة بعد أن تفشت ظاهرة الرشوة بين البعض من أفراد المجتمع المصرى، والتى للأسف لم تفرق بين الغنى والفقير والمتعلم والجاهل وكبير المنصب أو حتى الصغير، وعلى الرغم من الدور الكبير الذى يقوم به جهاز الرقابة الإدارية فى مكافحة مثل هذه الجرائم، فإن الكثير من الذين يقعون فريسة للرشوة لا يتعظون ممن سبق القبض عليهم، لأن مثل هؤلاء لم يعتادوا أن يحمدوا ربهم على ما وهبهم من نعم، ولذلك يقعون بسبب قبولهم ثمن شرب الشاى أو جهاز تكييف أو تليفون محمول مثلما طلب رئيس حى الهرم الذى قبض عليه مؤخرًا، حتى نصل إلى عدم القبول بأقل من المليون وملحقاته، مثل قطعة أرض هنا أو شاليه أو شقة هناك.
ولكن يظل أغرب ما تم طلبه فى جرائم الرشوة هو ما حدث من وزير سابق حيث طلب من الراشى أن يحج هو وزوجته على حسابه «حتى الحج إلى بيت الله لم يسلم من هذه الجريمة».
بالمناسبة نفس الوزير لم يجد غضاضة فى أن يطلب إقامة وليمة إفطار فى رمضان له ولأسرته ومحاسيبه «لزوم الإيمان والتقوى فى الشهر الكريم» وطلب أيضًا الحصول على عضوية ناد رياضى له ولأسرته «تطبيقًا لمقولة العقل السليم فى الجسم السليم» حتى يسمح للغير على ما هو ليس من حقه، مفرطًا فى ذلك بالثقة والأمانة التى منحه له المنصب الذى يشغله.
وما الذى يجعل رئيس محكمة يقبل أن يستغل حصانة منصبه للعمل تحت يد عصابة إجرامية فى تهريب الممنوعات مقابل رشوته بالمال الذى فضله على شرف مهنته وضميره، وما الذى يجعل مستشارًا سابقًا لوزير صحة سابق وقت أن كان يشغل منصب مستشار وزير الصحة لأمانة المراكز الطبية والذى تم القبض عليه داخل وزارة الصحة من قبل رجال هيئة الرقابة الإدارية، الذين وجهوا له تهمة الحصول على رشوة بقيمة 4,5 مليون جنيه فى هيئة 6 شيكات من شركة تعمل فى توريد المعدات والمستلزمات الطبية لتوريد وحدتى الكبد وزرع النخاع لمعهد ناصر بالأمر المباشر لضمان حصوله على مبلغ الرشوة ضمن أعمال التطوير المسئول عنها، وما الذى يجعل محافظًا أو نائب محافظ أو رئيس حى أو مهندسًا يقبل رشوة إلا إذا كان هؤلاء جميعًا من أصحاب النفوس الضعيفة، التى لا تشكر ربها وتحمده على ما منحهم، إعمالًا لقوله الكريم: « لَئِن شَكَرْتُمْ لاَزِيدَنَّكُمْ».
ليس لدى تعليق على هدايا أو بالمعنى الصحيح رشاوى هذه الجريمة التى لم تفرق بين الوزير والمستشار أو القاضى حتى وصلت إلى البعض من الموظفين مرورًا بمحافظين ورؤساء الأحياء ومهندسين والبقية تأتى.
الفساد فى جهات كثيرة لا تعد ولا تحصى، ويُرتكب من قبل من لا يحتاج أو يحتاج، وهنا تقع مسئولية الكشف عن سببها على عاتق علماء النفس والاجتماع كما سبق وأوضحت، وعلى جميع أفراد المجتمع الإبلاغ عن مثل هذه الجريمة، التى تزلزل أركان المجتمع، حتى لا تتحول إلى أن تصبح ظاهرة.>