الجمعة 25 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
محنة الدنيا والدين

محنة الدنيا والدين


«محنة الدنيا والدين» واحد من أهم كتب الدكتور «جلال أمين» الذى لم يلق الاهتمام الكافى من النقاد  بالتحليل وإلقاء الضوء على جوانبه المختلفة.
الكتاب ينطلق من بديهية أن الدين يجب أن يكون له حجمه الطبيعى حتى لا يتبادر إلى الذهن على الفور حياة أوروبا فى العصور الوسطى التى نوصمها بأنها «عصور الظلام» ويجعلنا نخشى أن يكون ما يحدث فى بلادنا هو عودة إلى العصور الوسطى حيث يقحم الدين فى أصغر تفاصيل الحياة اليومية كما كان يقحم فى اكتشافات «جاليليو» وكما يستخدم فى إخماد صوت العلم وفى حرمان الناس من أى تعبير عن أى عاطفة إنسانية فلا كتابة إلا فى الدين ولا أدب إلا إذا كان الدين موضوعه ولا رسم ولا نحت إلا لموضوعات دينية ولا موسيقى إلا للعزف فى الكنائس.
المؤلف يرى أن هذا العصر المظلم فى تاريخ أوروبا كان هو أيضًا أشد عصور أوروبا نفاقًا.. والسبب واضح وضوح الشمس.. وهو أن أى محاولة لإعطاء الدين حجمًا أكبر من الحجم الطبيعى لا بُدّ أن يكون مصدرها إما نفاقًا وإما مرضًا.. ذلك أن الأشخاص الذين يستطيعون ذلك هم هؤلاء الذين يتمتعون بقدرة غير طبيعية على كبت غرائزهم وإنكار ميولهم ونزعاتهم الإنسانية.. إنهم الأنبياء والقديسون العظام.. لكن هذا ليس شأن بقية الناس من أمثالنا ضعاف البشر.. فإذا تظاهر أحد منا بعكس ذلك فهو على الأرجح مريض أو منافق.. إن الشخصية التى طالما تردد ظهورها فى الأعمال الأدبية وفى المسرح والسينما وهى شخصية رجل الدين المنافق الذى يتظاهر بالتدين.. وهو يرتكب أفظع الخطايا فى الخفاء.. يتكرر ظهورها فى الأعمال الأدبية فى مختلف الثقافات وعلى مر العصور ليس بالطبع لأن كل رجال الدين من هذا النوع.. ولكن لأن التظاهر بالتدين كان دائمًا وسيلة فعالة للخداع.. وأيضًا لأن ما يبدو لنا تدينًا متى تجاوز مرحلة معينة يكاد أن يكون بالضرورة نفاقًا لأن الطبيعة البشرية لا تسمح بهذه الدرجة من التدين إلا لنسبة بالغة الضآلة من الناس وما يبدون على العكس من ذلك يثير دائمًا شبهة النفاق..
والحقيقة أن – فى اتفاقى مع رأى الدكتور «جلال أمين» – فى أننا نعيش فى مناخ يعطى الدين أكثر من حجمه الطبيعى المباح منه فقط ما اتصل بالدين بصلة حيث تتحول المدارس ووسائل الإعلام والثقافة لا لنشر قيم الدين بل الدعاية الدينية الأشبه بوسائل ترويج السلع.. تتحول السلطة الدينية الممثلة فى الكهنة.. وفى الشيوخ إلى أصحاب فتاوى دينية.. تنتقل منهم بالتبعية إلى الناس.. فيتحول الجميع إلى رعايا «دولة المطوعين» يحملون هراوة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» ويفتشون فى ضمائر الآخرين وخبايا نفوسهم وأسرارهم ويقتحمون مخادعهم ويتلصصون على المباح وغير المباح من تفاصيل حياتهم الخاصة. ويحدقون فى عوراتهم.. ويراقبون مصادر الفحش فى سلوكهم.. ويصبح فى هذا الأمر «المسلمون والأقباط» يدًا واحدة.. يعيشون فى خلط شائن  بين ما هو دينى وما هو غير دينى.. بما هو مقدس وما هو غير مقدس.