
عاطف بشاى
.. إنهم يكرهون النبهاء!!
أثناء خروجى من باب شقتى.. رأيت جارى الأستاذ «عبدالحق عبدالودود» المدرس بمدرسة «الحضارة والتنوير» يتجه إلى باب شقته حاملاً بضعة أرغفة ولفافات من سندوتشات الفول والطعمية والبطاطس فبادرته:
- صباح الخير يا أستاذ «عبدالحق» هل أنت فى إجازة اليوم؟!.
- لا.. أنا متفق مع مدير المدرسة أتأخر ساعتين الثلاثاء والأربعاء والخميس.
- إشمعنى الثلاثاء والأربعاء والخميس؟!.
- الثلاثة أيام دول .. أنا –حسب الجدول المنزلى– بحضر الفطار والغدا والعشا وأغسل الهدوم والمواعين وأمسح بلاط الشقة.
ثم مستدركاً:
- ما أنت عارف.. هن شياطين خلقن لنا..
- وهى؟!.
- هى مش حاتقطع نفسها .. بتشتغل فى (3) سنترات .. دا غير الدروس الخصوصية.. الله يكون فى عونها.
- لكن الموسم الدراسى خلص .. المفروض بقى إنك تبطل شغل البيت.
- إنت ناسى إن فيه امتحانات دلوقتى؟! .. دى شغالة –الله ينور– حريقة فى المراقبة والتصحيح .
سألته مستدركاً:
- وبمناسبة الامتحانات .. إيه أخبار الهانم فى لجان المراقبة؟!.
- بتمارس رسالتها المقدسة فى ضبط الطلبة اللى بيغشوا.. لكن مابتكتفيش بعمل محاضر غش ليهم.. إنما بتضربهم كمان.. وماحرمتش من أيام ما ضربت تلميذة عندها فى الفصل بمسدس الشمع اللاصق.. وعملت لها جرح قطعى فى الرأس بعد ما كوت لسانها بمعلقة سخنة.
- وكانت إيه النتيجة؟! .. قصدى العقاب.
- نقلوها مدرسة ثانية.. علشان تواصل رسالتها السامية.. وفعلاً من أول يوم جلدت طالبة بسلك كهربائى أربعين جلدة.
- مش ممكن!.
- لا.. ممكن.. إنت عارف إن (38 %) من الأزواج بينضربوا من زوجاتهم؟!.
- لا.. لا.. اسمح لى السيدة المعلمة مراتك ومثيلاتها من الإرهابيات دول ضحايا تربية خاطئة .. وتعليم ردىء وظروف اجتماعية واقتصادية سيئة صنعت منهن شخصيات «سيكوباتية» المفروض تخضع حالتهن للتحليل النفسى والاجتماعى.
- أنا موافقك.. لكن ضرورى المساواة فى العقاب برضه.
- قصدك مايبقاش فيه تمييز بين المعلم والمعلمة فى العقاب؟!.
صاح مؤكداً بحماس:
- لا.. بين المعلم والطلبة.. إحنا كل يوم بننضرب أمام باقى الطلاب والمدرسين وبنتعرض لإهانات يومية من الطلبة المشاغبين دون التدخل من الإدارة التعليمية.. لسه من كام أسبوع زميل لنا ضربه تلميذ بالفصل ضرباً مبرحاً تسبب فى كسر ذراعه وارتجاج فى المخ.
- واضح إن الطالب ده تأثر بالمناهج الدراسية التى تحض على العنف.
قال فى غضب وانفعال:
- إذا كنت تقصد درس «الطيور فى خطر» الذى جاء فيه أن الطيور قامت بإغلاق الخيام وأشعلت النيران فى الصقور حسب الخطة.. وبعد اكتمال الخطة أنشدت العصافير: بلادى.. بلادى، فهذا الدرس يدرس فى منهج اللغة العربية للصف الثالث الابتدائى .. والطالب الذى ضرب الأستاذ فى الثانوية العامة.. وبعدين الدرس ده حيتم حذفه من المنهج.. سبق أن مديرة مركز تطوير المناهج صرحت فى الصحف بأنه تم اتخاذ قرار بحذف جميع الدروس التى تحض على العنف.
صحت مؤكداً فى انفعال شديد وسخرية:
-يا أستاذ «عبد الحق».. ليس بحذف الدروس غير المناسبة يتم تطوير المناهج.. المركز اسمه تطوير المناهج وليس مركز حذف دروس من المناهج.
- إن ما تقوله يشكل كارثة حقيقية ويشى بتخلف المناهج وطرق تدريسها وفلسفتها المعتمدة على التلقين الذى جاء وزير التعليم لينسفه نسفاً.. فكون الأسئلة سهلة ومباشرة وفى مستوى الطالب المتوسط يعنى أن الوزارة تكره الطلبة المتفوقين.. وتحاربهم وتسعى لمساواة الأغبياء ومتواضعى المستوى والفاشلين بهم.. ومن ثم تفقد شهادة الثانوية العامة كمسابقة يتصدرها النابهون والأذكياء قيمتها، وهو أمر غير وارد فى أذهان القائمين على التعليم فى بلادنا، ذلك لأن الأسئلة المباشرة والسهلة تعنى خلو الامتحانات من الأسئلة التى تعتمد على الذكاء والقدرة على الاستنتاج وتحصر الأسئلة فى معلومات يحفظها الطالب ليفرغها على ورق الأجوبة.. ويتساوى الجميع فى ذلك.