الأحد 25 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
الداعية والنساء!

الداعية والنساء!


من مواجهة الإلحاد بالجنس .. إلي زواج الفنانات!
فى غضون العام 1903م، طبّقت شهرة الرجل الآفاق؛ إذ وصلت «شهرته» إلى مدينة سانت بطرسبرج (مدينة القياصرة فى روسيا الشمالية).. كانت الحكايات عن «قواه الروحية» لا تهدأ.. قوى روحية قادمة من «سيبريا» [ذات عيون وحشية مضيئة!].
تلقفت الأخبار «الطبقة الأرستقراطية» فى المدينة الصاخبة.. (أصبح اسم المدينة، فيما بعد «ليننجراد»).. ابتلعت الطبقة [المرفهة] الطُعم.. وكان هذا ما يريده الرجل، على وجه التحديد.
كان «جريجورى راسبوتين» قد اختار ضحاياه بعناية فائقة.. إذ تحرك أولاً بين صفوف «الفلاحين البسطاء».. وكان هؤلاء (فى البداية) هُم سبب شهرته التى وصلت إلى «مدينة القياصرة».
انتقل «راسبوتين» إلى «سانت بطرسبرج» مُحملاً برصيد ضخم من حكايات «السمو الروحى» والمعجزات.. مهّد هذا الرصيد له دخول «القصر الملكى»، من أوسع أبوابه.. إذ نجح [صاحب المُعجزات!] فى علاج وريث عرش القيصر «نيقولا الثانى» (ابنه الأكبر: أليكسيس نيكوليافبتش) من الهيموفيليا؛ فاقتنع القيصر وزوجته بأنّ راسبوتين «قديس» بالفعل (!).

كانت «الطبقة الأرستقراطية» إذ ذاك، مولعة بـ «القوى الروحية»، وأعمال السحر.. وهو ما مثّل أرضًا خصبة لنمو نفوذ «راسبوتين».. وبذيوع شهرته؛ نجح (الراهب السيبيري!) فى جذب المزيد من الأنصار.. حتى إنّ بعضهم (خصوصًا النساء) تطوع؛ لارتكاب «الخطيئة» (من أجل التطهر من الآثام!)، مع رجل بدوا عاجزين أمام جاذبيته(!).
لكن.. كان ثمة اثنان [من أنصار راسبوتين] السابقين (راهب يمينى يُدعى «ليودور»، وأسقف ساراتوف «هيرموجين»)، على اقتناع تام بأن «رجل المعجزات!» ما هو إلا تجسيد كامل للشيطان.. وبالتالى.. شنّا عليه حملة لدى الكنيسة الأرثوذكسية؛ كى يُطرد «راسبوتين»، ويُحرم من الرهبنة.
قدَّم «ليودور» دعاوى كثيرة حول تصرفات جنسية [فاحشة] من جانب راسبوتين.. وأشاع أنّ المدعى العام متعاطف مع الرجل.. مُطالبًا المجمع الكنسى بطرد «راسبوتين»، وإلاّ سيعتبر نفسه مطرودًا.
وفى العام 1911م؛ استدرجاه (أى راسبوتين) إلى طابق سفلى،حيث اتهماه باستخدام «قوى الشيطان»؛ للقيام بمعجزاته!.. وضرباه بصليب!.. وأبلغ «راسبوتين» الإمبراطورة بالواقعة، وادعى أنهما حاولا قتله.. ومن ثمَّ تم نفى الرجلين.
وفى بداية العام 1913م؛ خططت المجموعة (مرة أخرى)؛ لاستدراج «راسبوتين» إلى منزل فى سانت بطرسبرج (ليننجراد) تحت إغراء «ممارسة الجنس»، حيث يسهل اغتياله.. لكن.. راسبوتين شعر بما يُحاك ضده، ولم يذهب فى الموعد المحدد (!).
وفى العام التالى (أى العام 1914م)؛ هاجمت عاهرة سابقة تدعى «شيونيا جاسيايا» (كانت مصابة بالزهري) راسبوتين بوحشية (يُقال أنّ من حرضها هو خصمه ليودور).. وأصابت الطعنة المعدة.. لكن.. تمكن راسبوتين من إعاقتها.. وسرعان ما تجمع الناس.
وعندما علمت زوجة القيصر بمحاولة الاغتيال تلك، تصرّفت بسرعة.. وتم إلقاء القبض على «شيونيا».. فدافعت عن نفسها قائلة : [إنّ راسبوتين هو الذى جعلها تنزلق إلى عالم الدعارة].. وشهدت بأن «راسبوتين» قد اغتصب إحدى الراهبات على مشهد منها.. لكن.. لم يصدقها أحد (!).. وبعد فترة سجن قصيرة ، أُعلن أنَّ المرأة مجنونة.. وأُودعت مصحًا عقليًا فى مدينة «تومسك»، حتى قيام الثورة البلشفية (1917م).
وبينما كان راسبوتين يتعافى فى المستشفى من الطعنات التى وجهت إليه؛ كان القيصر «نيقولا» يحشد قواته استعدادًا للحرب العالمية الأولى.. ومع غياب القيصر استطاع «راسبوتين» اكتساب المزيد من النفوذ السياسى.. وساهم فى تعيين وطرد الوزراء، والسيطرة على قرارات حكومة روسيا داخليًا.. وكان أن أقصى معارضيه، وشرع فى تقريب الموالين، وتعيينهم فى أكثر المناصب حساسية.
دفع نفوذ «راسبوتين» مجموعة من الوطنيين [المحافظين]، منهم: الأمير «فيليكس يوسوبوف»، وابن عم القيصر (الدوق الأكبر ديمترى)؛ للتخطيط لإزاحة «راسبوتين» من الطريق بعد أن استشعروا أنَّ مستقبل روسيا أصبح تحت إمرة «الراهب السيبيرى».. وفى ديسمبر من العام 1916م؛ وضعت خطة لاغتيال «راسبوتين»، ونُفذت بالفعل.

رحل «راسبوتين» (رجل الدين!).. لكن.. ظلت سيرة «الراهب الماجن» (أيًا كانت المبالغات التى تعتريها) نموذجًا حيًّا، على «شيزوفرنيا» بعض رجل الرب(!).. إذ تبقى [باستمرار] العلاقة بين «العهر»، وبعض «مُدّعى الطُهر» علاقة جدلية بامتياز، وفى حاجة مُلحة لفض الاشتباك (!).
قبل ثلاثة أيام.. كان ثمة «راسبوتين» آخر، يواجه مصيرًا مُختلفًا.
.. و«راسبوتين» الجديد [تُركى الجنسية]، ويُدعى: عدنان أوكتار.. ويُقال أنه كان –أيضًا– من المُقربين لرجال السلطة الأتراك، قبل أن تنقلب عليه السلطات ذاتها (الأربعاء الماضي)، بعد توتر العلاقات فى أعقاب مُشادة بينه وبين رئيس هيئة الشئون الدينية فى تركيا «على أرباش» (بداية العام الجارى).. إذ قال «أرباش» حينها تعليقًا على سلوكيات «إثارة الغرائز» التى يتبعها أوكتار: [على الأرجح إن أوكتار مختل عقلياً]، مما دفع [الداعية الإسلامى!] للرد على «أرباش» قائلاً: [إن رواتب مؤسسة الشئون الدينية يتم سدادها من ضرائب بيوت الدعارة فى تركيا].
وفقًا للمعلومات المُتاحة حول عملية إلقاء القبض على «أوكتار»؛ فإنّ الداعية «غريب الأطوار» (المعروف كذلك باسم «هارون يحيى»)، تم القبض عليه برفقة 234 من أتباعه.. ويواجه تهمًا عدة، من بينها: استغلال المشاعر والمعتقدات الدينية بهدف الاحتيال، والتزوير، ومخالفة القوانين، وإفشاء أسرار الدولة.
وحسب سيرته الذاتية؛ وُلد «عدنان أوكتار» فى العام 1956م.. وقد فقد والده فى سن مبكرة.. ثم أكمل تعليمه الابتدائى والثانوى فى أنقرة، ودخل جامعة معمار سنان بإسطنبول بالعام 1979م.. وأولى –وفقًا لموقعه الإلكترونى- أهمية خاصة لدحض «نظرية التطور» [ومفاهيم الإلحاد الداروينية]، والقيم المادية(!).
وفى منتصف العام 1991م؛ قامت الشرطة بتفتيش المنزل الذى يتشاركه مع والدته (فى مقاطعة أورتاكوي) بإسطنبول؛ لتجد ربطة من الكوكايين بأحد كتبه.. لكنه زعم أن هذه مؤامرة ضده (!).
.. كما ألّف «أوكتار» أكثر من مائة كتاب حول قيم وأخلاقيات القرآن، وما قال عنه بنفسه: إنه تفنيدًا لـ«المغالطات العلمية» التى تحتويها الداروينية.. ومنها: كتاب «أطلس الخلق» الذى يتضمن صور المئات من عينات الحفريات.. وهو كتاب صدر بالعام 2006م، وقال فيه: إنّ المخلوقات الحية لم تتطور، بل ظلت كما هى لملايين السنين (على حد وصفه!).
ورغم ما يدعيه «أوكتار» حول محاربته للإلحاد، والمادية.. إلا أنه عُرف على نطاقٍ واسع داخل تركيا، عبر برنامجه الدينى [المثير للجدل] الذى كان يُبث على قناته التليفزيونية الدينية التركية «A9» ويناقش من خلاله القيم والمبادئ الإسلامية [فى وجود الخمور، والنساء الراقصات!].. إلى جانب بعض «فنانات الإغراء» ممن اعتاد على تسميتهن بـ«القطط» (!).
ومع ذلك.. فإن فى سيرة «الداعية الإسلامى» الذى يحارب الإلحاد بالنساء [المُثيرات]، ما يدعم هوسه الجنسى إلى حدٍّ بعيد.. إذ اشتكت عارضة الأزياء التركية «إبرو سيمسك» بالعام 1999م، من أنها تعرضت للابتزاز واتهامها بأنها بائعة هوى (عبر رسائل فاكس أرسلت لمئات الصحف والقنوات التليفزيونية)؛ لأنها رفضت «ممارسة الجنس» مع «عدنان أوكتار»(!).. وفى العام 2008م، وجهت إليه اتهامات باستخدام [عضوات من منظمته]؛ لإغراء شباب (العائلات الغنية) بوعود ممارسة الجنس، مقابل حضور بعض المناسبات (!).
وبحسب لائحة الاتهام (وقتئذ)؛ فإن إحدى الضحايا قد فُرض عليها أن تُضاجع ستة عشر رجلاً.. وتم تصوير «المضاجعات»، وأعطيت الأشرطة لعدنان (!).. وأنّ أى واحدة من العضوات تفكر فى ترك المنظمة، كانت تُهدد بنشر تلك الأشرطة (!)

يتاجر «أوكتار» يقينًا بالإسلام.. لكنه لم يكن الأول.. ولن يكون – كذلك – الأخير.
فعبر سنوات خلت؛ لم تخل منطقة الشرق الأوسط [بما فى ذلك مصر] من نماذج مشابهة لما فعله «أوكتار»، ومن قبله راسبوتين (النساء فى كفة، وفى الكفة الأخرى الدين!).
يؤرخ عديدٌ من الباحثين لبدايات ما عُرف بظاهرة «الدعاة الجُدد» (وهو المصطلح الذى رسخه -فى حينه- الكاتب الصحفى وائل لطفى)، بعلو نجم الداعية «ياسين رشدى» فى بداية تسعينيات القرن الماضى.. ورشدى كان قبطانًا بحريًا (طُرد من الخدمة فى العام 1965م)، ثم انتقل للعمل فى مجال [استيراد وتصدير القمح].. وبدأ يظهر كداعية بالتليفزيون المصرى فى العام 1991م.. رغم أنه لم يتلق تعليمًا دينيًا، بل كان يُردد أنه تلقى العلم وفقًا لطريقة الشيخ والمريد (وكان شيخه هو محمد الأمير)، الذى أجازه بعد سنوات من حضور الدرس (!).. ليبدأ –بعد ذلك– فى ممارسة الدعوة ويمتلك مركزًا إسلاميًا، ومسجدًا (مسجد النور).
لم يكن خطاب رشدى يهتم بالسياسة (فى المقام الأول).. بل كان خطابه مُنصبًا على التربية فى الإسلام، والمخاطر التى تواجه المراهقين والشباب والنساء.. وكانت النقطة الأخيرة تلك (أى النساء)، بداية لعملية استقطاب عديدٍ من «الفنانات»، اللائى انجذبن لطريقة الدعوة الجديدة، فيما بعد (!).. إذ رأين أنه يُمكن الجمع بين ثالوث: (الشهرة والثروة والنفوذ).. فالفنانات اللائى يدخلن عالم الاعتزال لديهن الشهرة.. لكن.. تنقصهن الثقافة الدينية.. والدعاة لديهم الثقافة الدينية.. لكن.. ينقص بعضهم الشهرة.. ورجال الأعمال لديهم الثروة.. لكن.. تنقصهم الشهرة والمشروعية الدينية» (!).
ومن بعد «رشدى» كان أن علا نجم الشيخ «عمر عبد الكافى» بشكل أكبر.. وكان «عبد الكافى» على خلاف الدعاة الآخرين، هو أول من يُمارس الدعوة بالملابس الأوروبية (بعيدًا عن الزى التقليدى لرجال الدين)، رغم آرائه المتطرفة فيما يتعلق بالأقباط.. إذ كان يجمع –فى حينه– من حوله الآلاف من جماهير نادى الصيد.
ومع انتشار «الظاهرة» (صدق أو لا تصدق)؛ كان أن تواردت عديدٌ من الأنباء عن أن أحد الدعاة كان على علاقة «زنا محارم» بشقيقة زوجته (!).. وأنه ترك البلاد بعد أن هددته «جهة أمنية» بفضح أمر العلاقة (!).
ورغم أن هذا الشيخ امتثل للأمر.. إلا أن تناسل «الدعاة الجُدد» لم ينقطع.. إذ مثّل قمة تطور الظاهرة بزوغ نجم الداعية «عمرو خالد».

فى سياق تحليل ظاهرة الدُعاة (فيما بعد عمرو خالد)؛ ثمة ملاحظة [ذات دلالة] يُمكننا أن نتوقف أمامها بالتحليل.. فإذا كان «ياسين رشدى» هو من دشن للعلاقة بين «الثروة والدعوة».. وكان عمر عبد الكافى، هو أول من ارتدى زيًا أوروبيًا للعب دور الداعية العصرى.. فإن «عمرو خالد»، هو المؤسس الفعلى لـ[الدعوة التجارية]، أو (آليات إسلام السوق).
والتوصيف الأخير [دقيق] من الناحية التطبيقية (ولا علاقة له –يقينًا– بإعلان الدواجن الذى قام به عمرو خالد).. فرغم أنّ ظاهرة الدعاة الجُدد اتسعت (فيما بعد عمرو خالد)؛ لتضم عديدًا من الأسماء، مثل: مصطفى حسنى، وشريف شحاتة، ومعز مسعود، وشريف مهران، ومصطفى عاطف؛ إلا أن النموذجين [الأكثر شهرة] من بعده، كانا «مصطفى حُسنى»، و«مُعز مسعود».
وبشيء من التدقيق.. يُمكننا ملاحظة أنّ «عمرو خالد» نفسه تخرج فى كلية التجارة.. وأن النموذج التالى عليه (مصطفى حسني) تخرج هو الآخر فى كلية التجارة (جامعة عين شمس).. وأنّ النموذج الثالث (مُعز مسعود) درس العلوم المالية والإدارية (!).. أى أنّ «عمرو خالد» وامتداداته الدعوية، كانوا يفكرون بالطريقة ذاتها.. التفكير عبر آليات السوق، ومنحنيات العرض والطلب، وقانون المنفعة الحدية(!).
فما أنتجه أبو حنيفة، وما أفتى به مالك، وما جدده الشافعى، وما رواه أحمد بن حنبل؛ يُمكن –فى النهاية- بيعه على طريقة «آدم سميث»، والاستفادة منه على مذهب «أنتونى جيدنز» رضى الله عنه وأرضاه (!).. مادام يُمكن لكل هذا أن يُحقق -فى النهاية- قيمة الثالوث المُقدس (الشهرة والثروة والنفوذ).
.. وعلى أعتاب «الثالوث المُقدس»؛ كان هناك العديد من المتساقطين على طريق الدعوة، ممن احترفوا «علوم التسويق» على شاشات الفضائيات (!).
الأمثلة -هنا- أنهكها رواد وسائل التواصل الاجتماعى (السوشيال ميديا) تقريعًا وتقريظًا.. ففيما باتت الصورة التى جمعت بين قائد «إسلام السوق» (عمرو خالد) وامرأة متحررة الملبس (فى مشهد بدا عاطفيًا، فى حينه) داخل إحدى العواصم الأوروبية، محلاً لعديد من انتقادات رواد «السوشيال ميديا»، فى وقت سابق.. لم يهدأ –كذلك- الرواد أنفسهم (إلى اللحظة) منذ معرفة خبر ارتباط «مُعز مسعود» (للمرة الثالثة) بالممثلة الشابة «شيرى عادل».
ووجه الاستغراب، هنا، ليس فى عملية ارتباط «شاب وشابة»، أرادا أن يجمع بينهما رباط الزواج (كما جمع بينهما الثالوث المقدس!).. بل فى ازدواجية القول والممارسة.. فنحن أمام «داعية» رأسماله (كما يبدو من برامجه) هو التحكم فى الغرائز، والسينما المُحجبة.. وعندما اتجه نحو الإنتاج الدرامي؛ نادى بالدراما النظيفة.. لكنه.. عندما قرر الارتباط [من جديد]، كانت له حسابات أخرى غير التى طالما روّج لها [وعظًا]، وأصبحت مصدرًا «مهمًا» لشهرته، وتنامى ثروته (!).