الجمعة 25 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
وزارة السعادة

وزارة السعادة


قال فقير بائس: لو أنا من رئيس الوزراء.. أعمل وزارة للسعادة، فتساءلت زوجته: يعنى إيه سعادة..؟! هذا كاريكاتير بليغ للمبدع «عمرو سليم» عبرت فيه الزوجة عن حال الفقراء الذين لا يدركون سوى معنى التعاسة والشقاء.. بل إن لسان حالهم كما قال «تشيكوف» كأن المطلوب منهم أن يقدموا اعتذاراً عن وجودهم.. وفى نفس السياق قال الإمام «على»: لو كان الفقر رجلاً لقتلته.. أما فى المأثور الشعبى فإن .. الفقر ريحته وحشة.
ويكشف الكاريكاتير أيضاً أن مفهوم السعادة نسبى.. يختلف من شخص لشخص ومن طبقة إلى أخرى ومن شعب إلى شعب.. ومن جنس إلى جنس.. وقد تكون السعادة فى المال.. أو فى الحب أو فى الجنس أو فى النجاح.. أو الصحة أو فى راحة البال.. أو فى تهويمات الخيال.. أو الفن وفلسفة الجمال.. أو مواجهة صعوبات الحياة وقهر منغصاتها.. أو فى التفاؤل.. أو فى العمل.. أو الإيمان أو فى ضحكة وليد.. أو فى الاستغناء.. أو الاكتفاء.. أو فى انفراجة أمل.. أو فى التكيف الاجتماعى.. أو فى الإحساس بالأمان.. أو فى الاستعلاء على الحزن والاكتئاب بالبهجة.. أو فى انتظار «جودو» الذى لا يأتى!.. أو فى العدالة الاجتماعية التى تتعلق بالموقف الأخلاقى للدولة من قضية الغنى والفقير ونمط التنمية المطلوب.. ونوع النهضة المنشود.. فبدون العدالة الاجتماعية لا تتحقق الديمقراطية.. ولا الحرية الإنسانية.. ولا الكرامة البشرية ولا تتحقق السعادة المأمولة.
وقد تكون السعادة فى السلام ونبذ الكراهية والعنف.. وفى سياق التأكيد على أن العنف صفة ذميمة طرأت على المجتمع المصرى والشخصية المصرية وليست أصيلة أو متجذرة فيه، يدلل على ذلك د.«جلال أمين» فى كتابه «محنة الدنيا والدين» أن السبب الحقيقى لدأب الأجانب على التعبير عن حبهم للشعب المصرى.. والإقامة فى مصر هو كراهية القسوة والاشمئزاز ممن يمارسها.. ونلاحظ ذلك فى تعليقات المصريين على ما يرونه من مناظر وما يمرون به من أحداث.. وهم كما يشمئزون من القسوة.. يستغربونها كلما رأوها.. إذ لا تبدو لهم مشاعر العنف مشاعر طبيعية بالمرة.. بل إنه يذهب إلى حد الربط بين كراهية المصريين للعنف وبين ما اشتهروا به من خفة الظل.. وتقدير النكتة الطريفة.. فالشخص القاسى أو العنيف ليس فقط غليظ القلب بل هو أيضاً ثقيل الظل.
وإذا كنا ندعو إلى نبذ العنف والعودة إلى التأكيد على وسطية الشعب المصرى واعتداله الذى يعتبر أنسب وصف للشخصية المصرية.. وأفضل منه أن نقول إن كراهية العنف هى بلا شك من أجمل الصفات.. فمتى نعود إلى أن نتفاخر بها.. بلا شك إن تحقيق العدالة الاجتماعية له دور كبير فى ذلك.. بل إن ارتباط تحقيق العدالة الاجتماعية بمفهوم السعادة وعدم تحقيقها يؤدى إلى العنف تلمحه فى مفارقة نشرتها الصحف فى اليوم التالى لشم النسيم فى العام الماضى مؤكدة أنه حتى حيوانات حديقة الحيوان بالفيوم لم تنعم بلحظة سعادة أو سلام أو أمان.. فقد شهد رواد الحديقة حادثاً فريداً عقب نشوب مشاجرة بين إناث (السيد قشطة) الثمانى أثناء وجودها فى المياه بالمكان المخصص لها فى الحديقة.. حيث انقضت سبع منهن على الثامنة الحامل (فى موسم التزاوج) متوسط عمرها من (12-13) عاماً .. ووزنها (2 طن) وفتكن بها على إثر اشتعال نار الغيرة والحقد عليها لاستئثارها بحب.. وعطف (السيد قشطة) الذى يتوق شوقاً إلى مولود جديد.
ولأن معنى السعادة نسبى ويختلف عليه الناس فقد عبر عن ذلك الكاتب الصحفى «أسامة غريب» الذى كتب فى عموده «بالمصرى اليوم» معرباً عن إعجابه بشحاذ أوروبي جالس على الرصيف وإلى جواره لافتة مكتوب عليها :«لاأريد سوى الغرق فى السكر».. لقد أعجبته العبارة ونفحه نقوداً.. وتفسيره لهذا الإعجاب تلك الشفافية التى يملكها الشحاذ ويتعامل بها مع الناس، حيث لم يدّع أن أمه مريضة.. أو أخته سقطت من البلكونة أثناء نشر الغسيل.. بل كشف عن السبب الحقيقى للتسول.. إنه سيصبح سعيداً إذاً ما شرب حتى الثمالة!.
وفى كتابه «عباقرة ومجانين» للكاتب الكبير «رجاء النقاش» وتحت عنوان «فى البدء كانت السعادة»، كتب مقالاً ألقى فيه الضوء على لمحات من حياة الأديب الروسى العظيم «تولستوى» قال فيه إنه فكر فى شبابه الأول فى الانتحار تحت وطأة إحساسه بدمامته البالغة.. لكن دوافع الحياة والتفاؤل فى داخله تغلبت على تفكيره فى الموت.. فقد حقق نجاحاً أدبياً مبكراً فأصبح الناس يقرأون له بحب وشغف وأصبح مشهوراً يحيط به المعجبون فى كل مكان.. على أن أكبر العوامل التى تحولت بنفسية «تولستوى» من اليأس إلى الأمل ومن التفكير فى الانتحار إلى الإقبال على الحياة كانت شخصيته المليئة بالذكاء والعذوبة والمشاعر الحارة المتدفقة، مما كان يجعله يبدو مع الجميع شخصاً ساحراً بالغ الجاذبية.. لذلك كان الناس عندما يلتقون به ويتعاملون معه ويستمعون إليه سرعان ما ينسون تماماً وجهه القبيح ويحسون أن شخصيته إنسانية من أجمل الشخصيات الجذابة الساحرة فى هذه الدنيا.
وهكذا استطاع «تولستوى» أن يخطف إعجاب زوجته الحسناء «صوفيا» بعد جهد غير كبير فقد فتنها كل شىء فيه.. ولم تشعر لحظة واحدة بأنها يمكن أن تخسر شيئاً إذا تزوجت من هذا العبقرى المحبوب صاحب الشخصية الفاتنة والوجه الدميم.. رغم فارق السن الكبير بينهما فقد كانت حينما تزوجها فى السابعة عشرة من عمرها.. بينما كان هو فى الرابعة والثلاثين.
ومرت سنوات طويلة بعد الزواج كانت كلها مليئة بالسعادة النادرة التى كان يتغنى بها الزوجان معاً فقد كانا يشعران بالنشوة والفرح.. وكانت حياتهما تنتقل من نجاح إلى نجاح ومن تألق إلى مزيد من التألق خاصة حينما أصبح الزوج واحداً من الرجال المعدودين فى عصره كشخصية عالمية مرموقة يقصدها الناس من كل بلاد الدنيا طلباً للتعرف عليه والتعلم منه.. وفهم أفكاره الإنسانية العظيمة.
لقد عثرا على سر السعادة حينما أصبح وجهه الدميم يشرق بالجمال «المستحيل» .. لأن السعادة صارت مرادفاً لمعانٍ أخرى وصفات مختلفة عن الجمال بمعناه الشكلى المحدود.
على أن أغرب مفهوم للسعادة والذى يندرج فى تصنيفه إلى نوع من أنواع «الكوميديا السوداء» هى تلك السعادة التى يستشعرها الإنسان من خلال تعاسة الآخرين.. إنها سعادة أولئك الذين يرون أن العدل يتحقق فى عدم المساواة.. أو فى ظلم الآخرين.. ومن ثم يسعد الفرد بتميزه.. على طريقة النكتة الشهيرة وفحواها أنه عندما سئل مجرم محكوم عليه بالإعدام عن طلبه الأخير فى الحياة قبل إعدامه أعرب عن رغبته فى رؤية أمه.. فلما سئل زميله المحكوم عليه أيضاً بالإعدام عن طلبه قال مشيراً إلى الأول: أن يحرم فلان من رؤية أمه !!.
قفزت إلى ذهنى تلك النكتة حينما تابعت ثورة الاحتجاج التى قادها أولياء الأمور وأمهات التلاميذ فى مواجهة وزير التربية والتعليم الذى قرر فى مشروعه التنويرى مساواة طلبة المدارس الحكومية بالتجريبية فى دراسة اللغة الإنجليزية منذ المرحلة الابتدائية.. فاعترضوا مطالبين بحرمان هؤلاء الطلبة (البيئة) من تلك الميزة.. ورفضهم المساواة بهم لأنهم (ناس كلاس) يدفعون مالاً فى مقابل تعليم أولادهم اللغة الأخرى فالتعليم ليس كالماء والهواء يمنح مجاناً لوجه الله.
لعل ذلك هو ما جعل «سارتر» يقول عبارته الشهيرة:
«إن الجحيم هو الآخرون».
وصباح الخير أيتها السعادة.