
طارق مرسي
أمير كرارة عالمى.. وحميدة قدير.. وبيتر ميمى مشروع مخرج كبير: السبكى «قدوة حسنة» فى حرب كرموز
أخيرًا.. أصبحت السينما رسالة وطنية فى كتالوج «السبكى» السينمائى بعد إطلاق فيلم «حرب كرموز».. فالفيلم رسالة ضد الاستبداد والفساد وشهادة على وطنية أبناء هذا الوطن وكفاحه الممتد ضد المستعمرين وصناع الإرهاب.
سينما السبكى المتهمة بإفساد الذوق العام وتكدير الرأى العام وتسويق الابتذال والمتاجرة به غيرت مسارها فجأة وأصبحت الآن فى مهمة وطنية تقدم وثائق تاريخية لكفاح ونضال هذا الشعب وتقديم شهادات لرجال الأمن للتصديق على معاناتهم عبر التاريخ والتضحية بأرواحهم فداءً لهذا الوطن الغالي.
«مهمة السبكية» لم تكن إنتاجية فقط بل وحسب أفيش الفيلم فكرية وأيديولوجية، فمؤلف القصة هو المنتج محمد السبكى نفسه مما يعكس التحول الخطير فى فلسفتهم السينمائية، وبخلاف الرسالة الوطنية للفيلم يضرب «محمد السبكي» أكثر من عصفور بفيلم واحد أبرزها تغيير صورة البطل الشعبى على الشاشة والخروج من فخ البلطجة والإسفاف إلى نموذج وطنى قدوة فى مكافحة الظلم، وكما يقول المثل الشعبى اللى يحضر العفريت يصرفه.. نجح محمد السبكى فى توجيه ضربة حرة غير مباشرة لـ«محمد رمضان»، وتأكيد أنه ليس وحده البطل الشعبى بأمير كرارة وهو نموذج جديد وقوى وكامل الأوصاف للبطل الشعبى وبمواصفات عالمية مثالية.. فالسبكية بذكاء كبير التقطوا خيط «سليم الأنصاري» فى «كلبش» ونجحوا فى تقديم فيلم عالمى بكل المقاييس أعتبره نقلة نوعية فى تاريخ الأكشن المصرى إنتاجيًا وفنيًا، كما نجحوا فى تقديم مخرج واعد للسينما وهو «بيتر ميمي» وهو نفسه صاحب السيناريو والحوار.
«فالمنتج» استعان بأمير وبيتر الذى لجأ لنجوم مسلسله الناجح «الأب الروحي» وكان المزيج ممتعًا ورائعًا وبتكنيك سينمائى عالمى ينبئ بحدوث طفرة جديدة فى سينما الأكشن فى مصر سواء على مستوى الإيقاع أو الصورة المبهرة ومولد مخرج أكشن عملاق.
أما «أمير كرارة» فهو مشروع نجم عالمى نجح محمد السبكى فى استثمار تفوقه الاستثنائى فى مسلسل «كلبش» بنفس الشخصية لكن فى عهد قديم من ضابط عصرى يكافح الإرهاب والمتطرفين والخارجين عن القانون فى «كلبش» بشخصية سليم الأنصارى إلى شخصية ضابط بوليس يتحدى الطغاة فى عصر الاحتلال الإنجليزى قبل ثورة 23 يوليو.
ضابط من أصول مصرية بسيطة يحارب الاستبداد والظلم والاستعمار وهو «يوسف المصري» فى «حرب كرموز»، ويواجه تسلط وعجرفة قوى الاحتلال التى تريد اغتصاب الأرض والعرض والهوية ويدخل فى تحدٍ عنيد مع قادة الاحتلال بعد حادث اغتصاب ضابط إنجليزى لفتاة صغيرة وتصدى بعض شباب كرموز له ومحاولة قادة الاحتلال الانتقام له.. يوسف المصرى بكبرياء المصريين رفض الإذعان والرضوخ لطلبهم وتسليم الشباب المصرى بعد أن قتلوا ضابطًا إنجليزيًا وأيضًا تسليم أحد المشاركين فى الاغتصاب من الإنجليز، وقرر المواجهة والدخول فى حرب شرسة انتصر فيها للشخصية المصرية الرافضة للسيطرة والاحتلال وخرج فى النهاية منتصرًا رغم الخسائر والتضحية بنفسه بعد مواجهات ضارية أدارها باقتدار المخرج «بيتر ميمي» وفريق عمله المحترف فى ظل إنتاج سخى يحسب لمحمد السبكى خروج فيلم يحترم عقل المشاهد.
«أمير كرارة» فى حرب كرموز يستكمل صورة رجل الأمن الوطنى والمثالى وكيف أنهم يضحون بسعادتهم فى سبيل الواجب الوطنى بنموذج مواز وقوى فى عصر مختلف، والشخصيتان يكتملان فى منطقة حب الوطن ولا تقتصر هذه الرسالة على البطل فقط بل عناصر هذا الوطن من أفراد أمن داخل قسم كرموز أو حتى الخارجين عن القانون، فالجميع تناغم فى منظومة بديعة للدفاع عن سمعة وكرامة المصري.
أما نقطة التحول الخطيرة فى استعانة قائد قوى الاحتلال الإنجليزى بالضابط المتهور المعروف بشراسته وكان محتجزًا فى قسم كرموز وهو الممثل العالمى «سكوت أدكنز» الذى اشتهر بتقديم شخصية «بويكا» وهو أحد إضافات السبكى المهمة للسينما المصرية وعزمه على تصحيح صورته فى منتجاته السينمائية وفى المقابل استعان «يوسف المصري» بالعملاق محمود حميدة المحتجز فى قضية، وحسبما جاء فى الأحداث هو أحد العناصر العسكرية وبعد خروجه اتهم فى قضايا مدنية، وجاء التحام شخصية «حميدة» و«كرارة» يعكس إحدى الرسائل السياسية للفيلم المهمة وهى كيف يتناغم الطرفان للدفاع عن الوطن ضد قوى التطرف والاستبداد مما يؤكد الحس الوطنى ورسالة الفيلم الكبيرة.
مع «حميدة» و«كرارة» تتعدد صور الوفاء وحب الوطن سواء من رجال الأمن وصف الجنود أو بعض النماذج سواء العاهرة التى تلجأ فى توقيت بدء المعركة بين قوى الاحتلال والضابط الشجاع «زنوبة» أو غادة عبدالرازق التى تبحث فى تجديد رخصة عملها بالرقص و«عصفورة» متخصص سرقة المنازل «مصطفى خاطر» والضابط الوطنى المؤمن بأفكار قائده «محمود حجازي» وسط مناورات «بيومى فؤاد» المسئول المصرى وعضو مجلس النواب الذى يحاول فض الاشتباك دون خسائر، وفى النهاية ينحاز لقضية وطنه وتكتمل المنظومة الوطنية.
فى المقابل تظهر شخصية الضابط «فتحى عبدالوهاب» الذى تستخدمه قوى الاحتلال لتصفية زملائه بقسم كرموز ويواصل «فتحي» أدواره القوية رغم مساحة الدور ويصارع ما بين دوره الوظيفى والوطنى منحازًا لزميله فى مشاهد تعكس وحدة المشاعر المصرية ضد الاحتلال والظلم.. أما النهاية السعيدة بظهور ضيف الشرف «أحمد السقا» فى دور قاضى محاكمة «يوسف المصري» ومحاولة إنقاذه بعد إدانته قانونيًا فى «حرب كرموز».. ليضيف «السقا» دورًا ساحرًا لأدواره فيلم يستحق المشاهدة والاحترام.
فيلم «حرب كرموز» لا يمثل نقلة نوعية فى أفلام الأكشن المصرية بل يعكس حرص منتجه محمد السبكى على تقديم «سينما» ترد على معارضيه وترد اعتباره وأيضاً تؤكد بصمته فى الأرشيف السينمائى ويترجم رغبته فى تقديم أفلام تصحح الصورة العبثية المرسومة لمنتجاته السينمائية.
فى معزوفة «حرب كرموز» تخلت «غادة عبدالرازق» عن صورتها النمطية فى دور قصير ولكنه مؤثر.. ويواصل النجم العملاق محمود حميدة تألقه فى صناعة الفارق فى أدوار تحسب لتاريخه الفني،أما «مصطفى خاطر» فإنه يرسخ موهبته الكوميدية والتمثيلية فى دور مختلف، فى حين لم تساعد أحداث الفيلم فى تأصيل موهبة روجينا وإيمان العاصى رغم حضورهما القوى فى المشاهد التى ظهرتا فيها.
أخيرا فإن الفيلم يفتح صفحة جديدة فى كتالوج محمد السبكى السينمائى تؤكد قدرته على صناعة سينما مؤثرة تسجل بطولات أبناء هذا الوطن.. ووثيقة حية للأجيال الجديدة على نضال أبناء الوطن فى سبيل الحرية ورفض الاستعمار.. وأيضًا ترسيخ الدور الحقيقى للسينما فى كتابة التاريخ الوطنى كما يجب أن يكون.