
محمد جمال الدين
جرائم الرشوة والضمير الغائب !!
ما الذى حدث للمصريين؟ هل هناك أزمة أو مشكلة انتابتهم حتى سكنت فى أذهانهم، وهل شعبنا المتدين بطبعة ومقيم الشعائر الدينية فى أوقاتها، والمتميز بالتسامح وحب الخير، وصل به الحال أن يسرق أو يقبل أن يرتشى؟ وهل ظروف الحياة وارتفاع تكاليف المعيشة، فى ظل الارتفاع الرهيب للأسعار تجعل البعض يتخذ من هذا السلوك منهجا؟.. جميعها أسئلة تبحث عن إجابات لدى علماء علم النفس والاجتماع، بعد أن تفشت ظاهرة الرشوة بين أفراد المجتمع، والتى للأسف لم تفرق بين الفقير والغنى والمتعلم والجاهل وكبير المنصب أو حتى الصغير، قبل طرح جل هذه التساؤلات، علينا أن نوجه تحية شكر وتقدير لجهاز الرقابة الإدارية ورجاله الذين كشفوا خلال الآونة الأخيرة العديد من جرائم الرشوة من ضمنها ما أعلنه مسئولو هذا الجهاز يوم الثلاثاء الماضى من إعلان القبض على رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات الغذائية ومدير مكتبه، وكذلك القبض على كل من مستشار وزير التموين للإعلام والمتحدث الرسمى للوزارة، ومستشار الوزير للاتصال السياسى بمجلس النواب، لتقاضيهم رشاوى مالية تجاوزت مليونى جنيه من كبرى شركات توريد السلع الغذائية، مقابل إسناد أوامر توريد السلع عليها، وكذا تسهيل صرف مستحقاتها..
ومن قبل سبق لنفس رجال هيئة الرقابة الإدارية أن ضبطوا فى منزل موظف صغير بمجلس الدولة مبالغ تقدر بــ150 مليون جنيه، أثبتت التحريات أنها حصيلة عدد من الرشاوى التى تحصل عليها من قبل البعض نظير تسيير أعمال خاصة لأصحاب شركات أو مصالح لترسيتها عليهم مع جهة عمله، مما يعد جريمة تستحق العقاب، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بجهة ينحصر عملها فى العدل والحقوق..
قبل واقعة موظف مجلس الدولة كانت هناك واقعة فساد أخرى ولكنها كانت خاصة برئيس محكمة ضبط متلبسا بحشيش ومخدرات فى أحد الأكمنة الأمنية وكشفت التحقيقات أن هناك عصابة تستغل الحصانة التى يتمتع بها المستشار لتهريب الممنوعات مقابل رشوته بالمال الذى فضله على شرف مهنته وضميره، واضح أن الفرق بين الجريمة الأولى التى ارتكبها الموظف الصغير ورئيس المحكمة ليس كبيرا، لأن الجريمة واحدة ومهما كان الاختلاف بين مستوى منصب وتعليم كل منهما، وهذا ما تجلى بوضوح فى جريمة الرشوة التى كان بطلها هذه المرة الدكتور «أحمد عزيز » وقت أن كان يشغل منصب مستشار وزير الصحة لأمانة المراكز الطبية والذى تم القبض عليه داخل وزارة الصحة من قبل رجال هيئة الرقابة الإدارية، الذين وجهوا له تهمة الحصول على رشوة بقيمة 4,5 مليون جنيه فى هيئة 6 شيكات من قبل شركة تعمل فى توريد المعدات والمستلزمات الطبية لتوريد وحدتى الكبد وزرع النخاع لمعهد ناصر بالأمر المباشر لضمان حصوله على مبلغ الرشوة ضمن أعمال التطوير المسئول عنها.
استكمالا لرشاوى الكبار الذين لا يختلفون كثيرا عن الصغار، كانت هناك قضية رشوة وزير الزراعة الأسبق «صلاح هلال» والتى بدأت فصولها الأولى فى مكتب رئيس مجلس الوزراء السابق «إبراهيم محلب» الذى طلب منه تقديم استقالته، وعقب ذلك تم القبض عليه من قبل رجال هيئة الرقابة الإدارية فى ميدان التحرير، واتضح فى تحقيقات النيابة العامة أن الوزير تمت رشوته من قبل رجل أعمال مقابل تقنين إجراءات مساحة أرض قدرها 2500 فدان فى وادى النطرون، حيث حصل على عضوية عاملة فى النادى الأهلى بــ 140 ألف جنيه ومجموعة ملابس من محلات راقية بــ230 ألف جنيه وهاتف محمول بــ11 ألف جنيه، وإفطار فى أحد الفنادق فى شهر رمضان بتكلفة 14 ألفا و500 جنيه وطلب سفر لأداء فريضة الحج بتكلفة 70 ألف ريال وطلب وحدة سكنية بأكتوبر بـ 8ملايين و250 ألف جنيه، بالطبع ليس لدى تعليق على هدايا أو بالمعنى الصحيح رشاوى جرائم الرشوة التى لم تفرق بين الوزير والمستشار أو القاضى حتى وصلت إلى البعض من الموظفين مرورا برؤساء الأحياء ومهندسيها والبقية تأتى..
فساد فى جهات كثيرة لا تعد ولا تحصى، وترتكب من قبل من لا يحتاج أو يحتاج، وهنا تقع مسئولية الكشف عن سببها على عاتق علماء النفس والاجتماع كما سبق وأوضحت، لمعرفة سبب غياب الضمير لدى هؤلاء «الذين يريدون الربح والثراء السريع حتى ولو كلفهم ذلك مخالفة القانون»، وحتى لا يصل الأمر إلى أن يصبح ظاهرة فى مجتمعنا.