الجمعة 25 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
فزع القوالب الجاهزة

فزع القوالب الجاهزة


لا يسعك إلا أن تضحك ضحكًا مرًا لمفارقة تراجيكوميدية فجرها قرار «د.طارق شوقى» وزير التربية والتعليم منذ أيام حينما أعلن مشروعه الطموح الذى يحدد فيه فلسفة النظام الجديد للتعليم وتكوينه المنهجى لتربية أجيال تفهم تراثها وهويتها وتاريخها بجانب التمكن من فهم الآخر.. وقال فى مؤتمر الإعلان عن ملامح هذا النظام التعليمى الجديد.. إنه يأتى ترجمة لمواد الدستور للارتقاء بشخصية الإنسان المصرى والتأكيد على إتقان اللغة العربية والقضاء على الأمية الهجائية والرقمية حيث إنه لاحظ تراجع مستوى الخريجين بسبب الاهتمام بالدرجات وليس الفهم مما أدى إلى تراجع تصنيف مصر التعليمى عالميًا.. حيث لا توجد دولة فى العالم تدرس المناهج بلغة غير لغتها الأساسية إلا «مصر» بسبب الوجاهة الاجتماعية..
وتكمن المفارقة فى ردود الأفعال لأولياء أمور طلاب المدارس التجريبية أمام مقر وزارة التربية والتعليم للتنديد بقرار الوزير الخاص بتعريب المدارس التجريبية ضمن سلسلة وقفات احتجاجية بدأوها منذ الإعلان عن بنود النظام الجديد.. ورفعت إحدى الأمهات التى شاركت فى التظاهرات لافتة مكتوبًا عليها «ياوزير فينك فينك.. حق ولادنا بينى وبينك».
فما هو تصورها عن هذا الحق؟!.. إنه يتلخص فى إلغاء ذلك التعريب المدمر الذى سوف يؤثر على مستوى الطلاب وخاصة فيما يتصل بتدريس الرياضيات والعلوم باللغة العربية فى المدارس الرسمية للغات.. وأى إحساس بالغيظ والسخط والاستياء لتلك المساواة الطبقية السخيفة بين أولاد الطبقة البورجوازية فى مجتمعهم المخملى الراقى بأولاد «الإيه» فى المدارس الحكومية الذين يدرسون اللغة العربية «البيئة» ويكتبون ويقرأون بها.. وهل تساوت الرؤوس وعدنا إلى زمن «ياعديم الاشتراكى.. ياخاين المسئولية.. وتحالف قوى الشعب العاملة؟!»..
لقد شاركوا أولادهم مشاركة إيجابية فعالة فى الاحتفاء بالقضاء على لغتنا العربية الجميلة باستبدال مفرداتها بلغة سوقية متدنية تفشت تفشيًا مزريًا وشملت الشارع المصرى.. وانتقلت إلى الشاشة الكبيرة والصغيرة.. والحقيقة أننا وصلنا إلى مرحلة متدهورة يشارك فيها الصغار والكبار بأجيالهم المختلفة.. المتعلمون منهم والأميون فى التحدث بتلك اللغة بل إنى لا أبالغ إذا قلت إن الكثيرين من أبناء مهنتى من كتاب السيناريو – وخاصة الشباب الذين اجتازوا مراحل التعليم المختلفة فى الثلاثين عامًا الماضية يجهلون مبادئ اللغة العربية وتحتشد كتاباتهم بأخطاء إملائية ولغوية ونحوية فادحة تشى بتوقف معرفتهم بها عند السنة الخامسة الابتدائية.. لكنهم ماهرون فى التعبير عن أفكارهم فى إطار.. «إنسى وخد البنسة».. و«باحبك فشخ» وأديك فى الجركن تركن».
هذا بالإضافة إلى سوء الفهم لمنهج الوزير – والذى أراه خطوة مؤثرة فى التطوير – فيما أسموه بالتعريب.. فالرجل أكد أن الطفل سيدرس اللغة الإنجليزية منذ اليوم الأول فى جميع مدارس الدولة.. منبهًا إلى أن خبراء اللغويات أكدوا أن تثبيت اللغة العربية كلغة أُمّ يستوجب أن تكون المناهج المطبوعة متعددة التخصصات باللغة العربية، وذلك بالتوازى مع تعليم اللغة الإنجليزية كمادة منفصلة، وأن القضية ليست تعريبًا وإنما هى نظام جديد بكل أركانه يجعل المدارس الحكومية المجانية على مستوى عالمى.. ليس فقط بسبب عدم وجود منهج محدد أو امتحان قومى محدد.. ولكن لأن غلبة الاتجاه الإبداعى من شأنه أن تسيطر أسئلة امتحاناته غير التقليدية وغير المباشرة..  وبالتالى فإن دور المعلم فى المنظومة الجديدة التى يعتمد فيها الطالب على التعلم الذاتى يقتصر على الإرشاد والتوجيه.. مما يؤدى أيضًا إلى إلغاء ما يسمى بالإجابة النموذجية – لإفساح المجال لتنمية قدرات الطالب فى حرية التعبير.. وتعدد زوايا الرؤية.. وتشجيع طرح التصورات والآراء المختلفة والمبتكرة.
وأرى أيضًا أن هذا النظام سوف يلغى تلقائيًا ظاهرة الغش الفردى والجماعى التى كانت تمثل مشكلة ضخمة تستعصى على الحل فشلت كل الطرق المختلفة فى القضاء عليها.. فالإجابات الجاهزة التى يعتمد عليها الطالب.. وتلخصها له الكتب الخارجية والمفكرات التى يخصه بها المدرس الخصوصى والمحددة فى نقاط سريعة مبتسرة وجامدة يحفظها بآلية يعيد كتابتها فى أوراق الإجابة بالامتحانات سوف تختفى تدريجيًا.
منظومة الوزير الجديدة التى أعلنها تستحق المساندة والتشجيع علها تكون طوق النجاة لعلاج تردى التعليم عندنا.. فقط أرى أهمية العمل على إزالة الفجوة المعرفية بيننا وبين العالم المتقدم بالسعى لتطوير المناهج الدراسية القائمة على مواد وموضوعات لا تواكب طبيعة العصر ولا تتناسب بأى درجة مع مسيرة تطور البشرية.. فما زال أطفال جيل الكمبيوتر والإنترنت يدرسون البساط السحرى ومصباح علاء الدين والأرنب كوكى الذى ركبه الغرور فرفض اللعب مع إخوته «مونى» و«سونى» والولد المشاغب أسامة الذى تحول إلى حجم عقلة الأصبع وسقط فوق ظهر سمكة كبيرة فى أعماق البحار. 