مصر.. وقرار «ترامب» النووى!
أكدت الخارجية المصرية فى بيان لها الثلاثاء الماضى، أن مصر تتابع باهتمام كبير قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بانسحاب بلاده من الاتفاق النووى الإيرانى أو اتفاق دول (5+1) بشأن البرنامج النووى الإيرانى، والذى ضم كلا من الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن (الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا والصين وبريطانيا) إضافة إلى ألمانيا، فى عام 2015، تحت ولاية الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما.
بينما سارع حلفاؤها الثلاثة: السعودية والإمارات والبحرين بتأييد القرار والتعبير عن الارتياح.. ولهم بالطبع ما يبرر ذلك، إذ إن الدول الثلاث على مرمى النيران الفارسية، كما أن إحداها (الإمارات) لها جزر تحت الاحتلال الإيرانى بالفعل.
أما مصر فقد كان لها حسابات أخرى، وفى ظنى أن القيادة السياسية المصرية كان أمامها ثلاث نقاط رئيسية أثناء التفكير فى الموقف المصرى حيال هذه الأزمة الكبيرة التى ستؤثر (شئنا أم أبينا) على مصر، وهذه المرتكزات الفكرية كانت:
1- عدم الاقتناع بالمبررات التى ساقها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عند إعلانه الانسحاب من الاتفاق والتى بدت «غير دقيقة»، خاصةً وأن الوكالة الدولة للطاقة الذرية أصدرت أكثر من تقرير يفيد بأن إيران ملتزمة بالاتفاق.
2- عدم الرغبة فى التورط فى صدام معلن مع الإدارة الأمريكية، ولهذا وضح التوازن فى رد الفعل، ويحسب لبيان الخارجية أنه شدد على أهمية مشاركة الأطراف العربية المعنية فى أى حوار حول مستقبل الأوضاع فى المنطقة، وبصفة خاصة المرتبط باحتمالات تعديل الاتفاق النووى مع إيران.
3- الحرص المصرى المستمر على الدم السورى، فالجميع يدرك أن الشعب السورى المسكين، هو من سيتحمل فاتورة هذا الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى، والذى باركته بالطبع إسرائيل، بل ومهدت له بفيلم استعراضى مثير قدمه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بنفسه مطلع هذا الشهر، عندما كشف ما وصفه بـ «ملفات سرية نووية» تثبت أن إيران كانت تسعى سرا لإنتاج أسلحة نووية، وقال مؤكداً: «آلاف الصفحات من المواد التى حصلت عليها إسرائيل توضح أن إيران خدعت العالم بإنكار أنها كانت تسعى لإنتاج أسلحة نووية».
وبالفعل تصاعدت فى اليومين الماضيين العمليات العسكرية بين إسرائيل وإيران على الأراضى السورية، وهى تنذر بمواجهة شرسة، خاصة مع ما أسفرت عنه الانتخابات اللبنانية من تقدم ملحوظ لحزب الله (الموالى لإيران) والذى يمثل آخر فرق المقاومة التى تزعج الكيان الصهيونى.
والانتخابات البرلمانية الأخيرة فى لبنان أدخلتها نفقا سياسيا مظلما قد يطول بقاؤها فيه، خاصة مع التصريحات الإسرائيلية العدائية فور الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات، وكان التعليق لوزير التعليم الإسرائيلى فى تغريدة على تويتر، أكد فيها على أن إسرائيل لن تفرق بين الدولة اللبنانية وحزب الله فى أى حرب مستقبلية، وأنها ستعتبر الحكومة اللبنانية مسئولة عن أى عمل يقوم به الحزب داخل أراضيها.
المنطقة كعادتها تتأرجح من جديد وبقوة نحو هاوية سحيقة، توقعنا لها السقوط كثيرا خلال السنوات الماضية مع كل الأحداث الجسام التى مررنا بها، لكن توازنات القوى الدولية كانت تمنحها الاستقرار النسبى، الذى كان لا يمكث إلا أوقاتا قليلة، نعود بعدها للترنح من جديد، حتى بات الأمر مألوفاً.
لهذا لن يزعجنا أن نسمع أن «دمشق أعلنت فجر الخميس الماضى عن إسقاط الجيش السورى لعشرات الصواريخ الإسرائيلية»، مثلما لن ننزعج بعد أيام عندما نرى الوعد الأمريكى ينفذ، والحلم الصهيونى يتحقق بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وللأسف سيتبعها عدد من دول العالم، مما يعنى الاعتراف الدولى بالقدس عاصمة لإسرائيل، كل هذا لن يزعجنا لأننا لسنا الجيل الذى أضاع القضية.. بل نحن الجيل الضحية.