
عاطف بشاى
الحكيم رجعيًا.. والعقاد عنصريًا
تزوجت السيدة «سيادات» توفيق الحكيم مرحبة بشروطه «الخمسة عشر» ومنها ألا يستقبل ضيوفًا فى بيته لا من الرجال ولا من النساء.. وألا يصحبها إلى نزهة أو رحلة ولو حتى إلى الإسكندرية.. وأن يعطيها كل شهر مائتى جنيه تدفع منها إيجار البيت ومصاريف الطعام ولا تتجاوز هذا المبلغ بمليم واحد.. كما أنه ليس مسئولًا عن مشاكل البيت والأولاد فهى أمور من صميم اختصاصها.. وأن يكون بيته هادئًا لا ضجة فيه حتى يتفرغ للكتابة.. ثم إنه يطالبها بعدم التدخل فى عمله لأنه يعتبر نفسه مسجونًا فى سجن بلا أسوار يدخل فيه عندما يريد.. ويخرج منه عندما يشاء.. يقول فى ذلك: «لم تكن حياتى الزوجية بالنسبة لها ميسرة.. فأنا زوج من طراز أزواج القرن التاسع عشر.. لا اختلاط ولا خروج معى وأكثر وقتى وحدى فى حجرتى الخاصة مع كتبى وأوراقي.. أما أولادى فقلما أكون بينهم.. ولم يحدث أن تركت «سيادات» بيت الزوجية غاضبة ولو لساعة واحدة.. وقد حدث مرة أن غضبت أنا وأخذت حقيبتى لأخرج وأقيم فى فندق فجرت خلفي.. وأخذت منى الحقيبة.. وأعادت لى هدوئي.. المهم أن «سيادات» لم تكتف بالترحاب بشروطه إنما كانت تجد لذة فى خدمته.. لا تتركه إلا بعد أن تقدم له عشاءه وتضعه فى الفراش وتغطيه باللحاف وتضع القربة الساخنة تحت قدميه.. وتحرص أن تستيقظ فى السابعة صباحًا قبل أن يفتح عينيه بساعة لتعد له إفطاره وهى تشعره دائمًا أنه الملك وأنها الرعية وأنها أحبت الفيلسوف الفنان فيه قبل أن تحب الرجل.
أما رأى «العقاد» الرجعى فى المرأة فهو لا يختلف عن رأى «توفيق الحكيم» بل لا يختلف عن رأى السلفيين والإخوان والأصوليين ودعاة الفضائيات والظلاميين.. اللهم أنه لا يقحم الأمور الدينية والفقهية فى تدعيم منهجه بالإضافة إلى اعتماده على الاستقراء والاستبطان وضرب الأمثلة الحية لتوضيح وجهة نظره.. فهو مثلا يرى أن الفوارق بين الجنسين حقيقة لا تنقضى بانقضاء زمن من الأزمان، وليس الخطأ فى إدراك هذه الفوارق مجرد خطأ عرضى فى مسألة من المسائل العقلية.. ولكنه هو خطأ البداهة التى هى ألزم للإنسان من التفكير.. فنحن لا نخال أن الإنسانية تشقى هذا الشقاء الذى ابتليت به اليوم لولا أنها فقدت البداهة الهادئة وظهر فقدانها لها فى انحرافها بالمرأة عن مركزها الصحيح.. أى أن «العقاد» يرى أننا لا نحتقر المرأة حين نقول إن بينها وبين الرجل فوارق فى الأخلاق والتفكير، ولا نحتقرها حين نقول إن لها وظيفة مستقلة تغنيها عن الاشتغال بوظيفة الرجل.. ولكن الذين يحتقرونها حقًا هم الذين يحسبونها لغوًا لا عمل له ما لم تشبه الرجل فى جميع أعماله.. فهى عندهم لا شىء ما لم تكن كالرجل فى كل شيء.. والاختلاف بين الرجل والمرأة فى الأخلاق لا يقتضينا أن نزعم أنها أرحم منه أو أقسى.. وأنها أسلم منه أو أسوأ.. وأنها أصلح منه أو أفسد.. ولكننا نقدر الواقع حين نقول إن أخلاقها تغلب فيه «الغريزة» على «الإرادة» وأن أخلاق الرجل تغلب فيها «الإرادة» على «الغريزة».. ومن هنا تبلغ المرأة غاية الرحمة كما تبلغ غاية القسوة مع الغريزة المتغلبة عليها ولا تزال من أجل ذلك عرضة للتناقض الذى جعلها عند بعض الناس لغزًا من الألغاز.
كما أن المرأة ليست بأسلم جانبا من الرجل.. لأنها أميل منه إلى الشحناء والشجار.. فربما اتفق مائة رجل على الخطب المتفاقم الجسيم ولم تتفق امرأتان على الهنة الواهية الطفيفة.. وقد أغناها عن أن تكون مجرمة بنفسها أنها تجرم بيد غيرها لأن أكثر الجرائم إنما تقع بسببها ولأجلها.. فهى تدرك ما تشاء من الجريمة دون أن تتحمل تبعاتها.. وقلما تقع مصيبة أو كارثة إلا كان وراءها وطر لامرأة تقضيه بيد المجرم بعيدة عما يتعرض له من العقاب.
أما الفوارق العقلية بين الجنسين.. فمن المكابرات التى لا تفهم لها معنى أن يقال إن هذه الفوارق لم تثبت بعد لأن المرأة كان محجورًا عليها فى القرون الماضية، فإن الحجر نفسه دليل على التفوق.. وهيهات أن يتفق جميع الرجال أن يحجروا على جميع النساء لو لم يكن بينهم فارق فى قوة العقل والجسد.
إن هذه النظرة العنصرية للمرأة لم تمنع «العقاد» أن يقول بعد انتهاء علاقته بـ «سارة» إنه يحس إحساسًا شديدًا أن توديع هذه العاطفة يرادف فى معناه توديع الحياة..
كما لم تمنعه هذه النظرة العنصرية من أن يهيم غرامًا بـ«مى زيادة» (وهى تعتبر من زعيمات الحركة النسائية المطالبات بمساواة المرأة بالرجل فى جميع أمور الحياة.. السافرة فى عصر الحجاب.. بل إنه ألح عليها إلحاحًا شديدًا فى الزواج بها رغم اختلافهما فى الدين.. ولما تأكدت من شكوكها بخيانته لها مع «سارة».. ذهبت إليه فى الجريدة التى كان يعمل بها.. وردت له خطاباته العاطفية إليها.. منهية علاقتها به.. فبكى وهمّ أن يقبل يديها طالبًا المغفرة.. لكنها أبت ذلك وانسحبت من حياته.>