الأحد 20 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الكيمياء «الغدارة» تغرق سوريا فى دم «الأحياء»

الكيمياء «الغدارة» تغرق سوريا فى دم «الأحياء»


تصلح مقولة الكوميديان محمد هنيدى «الكيميا غدارة.. اللى يسقط  فيها  يشتغل  فى الأحياء»، التى قالَها فى فيلمِهِ الشهير «جاءنا البيان التالى» عام 2001، عنوانًا ساخرًا لمرحلةٍ عبثيةٍ عِشْنا فيها الأسبوعَ الماضيَ بين  الكيميائيِّ السوريِّ، وصواريخِ ترامب العسكريَّةِ الذكِيَّة، التى لَوَّح بها عبر حسابه الشخصيِّ على «تويتر»، ومنحَتْ مشهدًا دمويًّا وبشعًا قدرًا من الكوميديا السوداء، جعلنا نبتَسِمُ ونحنُ نبكى بحُرقةٍ على حالِ أشقائِنا فى سوريا.

أكتُبُ مقالى، والعالمُ يحبِسُ أنفاسَه وينظرُ بتوجُّسٍ إلى خرائطِ الجغرافيا، وعيونُهُ تُحدِّق فى منطقةِ الشرق الأوسط، ترقبًا للحظة انفجارٍ كبير.
سوريا هى مصدرُ الخطر، ومكمَنُه، ومكانُهُ، الدولة السابقة، والساحة المفتوحة منذ سنوات ما سُمِّى بـ«ربيع العرب»، حيثُ تفنَّنَتْ قوى إقليمية وأبدع شياطينُها لجعل هذا البلد المحزون، ساحةً مفتوحةً للتجريب والتدريب العسكرى، و«مائدة مقامرة» دولية  لتسديدِ فواتير الخلافات وعقد التحالفات وفضِّ المنازعات، وتدبير المؤامرات.
سوريا هى هدفُ «التنشين»، تقفُ اليوم مرتجفةً ومعها نظام بشار الأسد، فى انتظارِ ضربةٍ عسكرية أمريكية بالصواريخ الذكية (ربما تكونُ قد نُفِّذَت بالفعل).
أما لماذا التصعيد الأمريكى المفاجئ؟
هل يكفيك موضوعُ «الكيميائى» الذى قيلَ إن النظامَ السوريَّ استخدمه ضدَّ 500 من مواطنيه الأبرياء فى مدينة دوما بالغوطة الشرقية قرب دمشق؟
أم أن الشكَّ يُساوِرُك بأنَّ فيلمَ «النووى» العراقى الذى استُخدِمَ  مبرِّرًا  للغزوة الأمريكية للعراق يتكرَّر بالسيناريو الساذج ذاتِهِ؟
هل تصدِّق أن ضميرَ «العم سام» قد استيقظ مفزوعاً، مدفوعًا بالنبل والشهامة (غير المعهودةِ فيه)، ليُنقِذَ الشعبَ السوريَّ المسكين الذى أهدر الجميعُ دَمَه، وشربوا منه حتى الثمالة، وفى مقدمتهم «أبناء عمه»، وبعض أشقائِهِ العرب الذى يرتَجون تدخلًا أمريكيًّا حاسمًا، ظنًّا أنه سيصبُّ بمصلحتهم.
المشهد فى سوريا معَقَّد للغاية، هذا ليس كلامى، بل هو لوزير الدفاع الروسى، وقد سَبَقَه بترديدِ المعنى ذاتِهِ عشراتُ المحللينَ والسياسيينَ بل وقادة دولٍ عربية وغربية. لا أحد يملِكُ حلًّا حاسمًا، لا أطرافُ الصراعِ على الأرض، ولا مَنْ يقفُ وراءَهُمْ فى كواليسِ  السياسةِ، ولا المتابعونَ الطامعونَ، ولا حتى العشاق الصادقون الذين يُحِبُّون سوريا، ولا يملكونَ لها فى كل الأوقاتِ الصعبةِ إلا البكاءَ على حُطام بلدٍ كان الأجمل والأرقى بين كلِّ بلاد العرب.
ترفض  أمريكا منذ سنوات أن تخوض فى «الوحل» السورى، بحسب وصف ساستِها ومحلِّليها، وكلّ ما قامت به كان فى إطارِ الدعايةِ العسكرية، والعمليات المحدودة التى تستهدِفُ صفحات الإعلام، ولا يُعوَّل عليها كثيرًا فيما يجرى على الأرض.
أما اليوم، فلا شَكَّ أن المحرِّكَ الرئيسيَّ لترامب هو التقدُّمُ الذى أَحرَزَه التحالفُ الروسيُّ/ الإيرانيُّ/ التركيُّ، واستعادَتُه للسيطرة الميدانية العسكرية على أكثر من مدينة سورية، وهو ما أكدته وكالة الصحافة الفرنسية، عندما نقلت تصريحًا لمسئولٍ إيرانى (وصَفَتْه بأنه كبير) عقب لقائه الأسد، حيث قال: «تهديدات بعض الدول الغربية بمهاجمة سوريا تستند إلى أكاذيب اختلقتها بعد تحرير الغوطة».
ولهذا لم يكن مستغربًا، أن تقوم قوات الأسد (وسط كل هذه التهديدات) برفع  العلم السورى، الخميس الماضى، فى مدينة دوما، معلِنةً بذلك السيطرةَ الكاملةَ على آخر معاقلِ المعارضة المسلحة فى الغوطة الشرقية، مما يُعدّ انتصارًا كبيرًا لها.
بينما ارتقى الردُّ الروسيُّ إلى أقصى مراحل الحكمة وضبط  النفس على مناوشات ترامب، وسخريته عبر «تويتر» من روسيا، حيث جاء رد الكرملين داعيًا إلى عدم اتخاذ خطوات من شأنها الإضرار بالأوضاع الهشَّة أصلًا فى المنطقة، ورافضًا الردَّ على ما وصفه بدبلوماسية التغريدات.