الجمعة 25 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
دليلك الذكى للقضاء على التطوير

دليلك الذكى للقضاء على التطوير


فى كتابه الهام.. «مستقبل الثقافة فى مصر».. وهو عبارة عن عدة مقالات مجمعة «1935» ناقش عميد الأدب العربي «د.طه حسين» أهم المشكلات التى تتعلق بمستوى التعليم والثقافة فى مصر.. وأكد على أهمية تحرير التعليم من مفهوم التلقين من خلال رفضه توزيع كتب معينة على الطلاب فى المراحل التعليمية المختلفة.. وأوحى  بضرورة ترك الحرية للطالب فى قراءة واستيعاب من كتب تقرر الوزارة بأنها صالحة فقط.. وليس بأنها الأصلح.. فالتعليم غير المباشر هو القادر على تطوير التعليم والتقدم والنمو الفكرى والعقلى للطالب ومساعدته على الخلق والابتكار.. وينمى فيه ملكة البحث والرغبة فى المعرفة والاطلاع واستخلاص النتائج.
من المنطلق السابق يمكننا ببساطة أن نرصد أهمية إحداث طفرة فى المناهج الدراسية التى لا تتناسب بأى درجة من الدرجات مع مسيرة تطور البشرية.. حيث إنه للأسف الشديد لم ينتبه أحد.. ولم يسع مسئول منذ صيحة «طه حسين» فى ثلاثينيات القرن الماضى إلى هذا التطوير.. بل سار الحال من سيئ إلى أسوأ.. عبر عنه الناقد «شعبان يوسف» فى مقال حاد النبرة قال فيه  لو تخيلنا أن العميد الدكتور «طه حسين» استيقظ من موته فى هذه الآونة وانتبه إلى ما يحدث فى التعليم.. وتصفح بعض ما تقرره اللجنة الموقرة على طلاب المدارس لطلب أن يعود إلى مقره مرة أخرى وندم على كتابه مستقبل الثقافة فى مصر الذى قدمه لوزارة المعارف فى عام «1937» ليكون منهاجًا لمستقبل التعليم.. وفحوى ندمه أنه أجهد نفسه وأبرز جميع ما تتطلبه العملية التعليمية من طاقات.. ولكن لا حياة لمن تنادى وكأنه أطلق صرخته فى جماد أو فى وادٍ فلم يستمع أحد ولم تعتبر الأجيال التى تلته.. إن ما كتبه له علاقة بأى مستقبل.. وتأييدًا لما قاله الناقد فإن «الجمود» هو العنوان المناسب الذى يمكن أن نطلقه على شكل المناهج التى تخلفت تخلفًا بينًا عن العصر.. فما زال أطفال جيل الكمبيوتر.. والإنترنت والفيس بوك يدرسون «البساط السحرى» و«مصباح علاء الدين» و«الأرنب كوكى» الذى ركبه الغرور.. فرفض اللعب مع اخوته «مونى» و«سونى»، بينما الأطفال فى المدارس الأجنبية الذىن يماثلونهم فى العمر يدرسون مسرحيات «شكسبير» باللغة الإنجليزية..
أما دروس اللغة العربية التى تحض على العنف.. فبالإضافة لقصة «عقبة بن نافع» المليئة بالمذابح.. فقد لفت النظر إلى أحد النصوص المقررة على الصف الأول الثانوى كتب فى مقدمته.. كان «عمر بن هند» ملك الحيرة طاغية متكبرًا فقال لمن حوله: أتعرفون أحدًا من العرب تأنف أمه من خدمة أمي؟!.. فقالوا لا نعلم إلا «ليلى بن المهلهل» حيث إن ابنها «عمر بن كلثوم» سيد قومه فأرسل الملك إلى «عمرو» وأمه يدعوهما إلى زيارته فى قصره.. وأوعز الملك إلى والدته أن تستخدم «ليلى» فى قضاء أمر من الأمور رغبة فى إذلالها.. فلما بدأ الحفل طلبت أم الملك من «ليلى» أن تناولها إناء فقالت: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها.. فلما ألحت عليها صاحت: وا ذلاه.. فسمعها ابنها «عمرو» فقام من توه وتناول سيفه وقتل الملك.. وعاد إلى الجزيرة وكتب معلقته.
سألت ابنتى وأنا أراجع معها القصيدة مختبرًا:
ما الذى يدل عليه هذا الموقف؟!..
فأجابتنى: يدل على أن «عمرو بن كلثوم» هذا فشار.. ده كلام أونطة.. إزاى واحد يقتل ملك فى قصره وبين حراسه ويهرب من غير ما حد يمسكه؟!.. هى سايبة؟!
قلت محاولًا مداراة ارتباكى.. مش ده المهم.. المهم إن ده تأكيد أن الشاعر كان يمتاز بالشجاعة والإحساس بالقوة والتفاخر والكرامة..
قالت فى استنكار: كرامة وشجاعة إيه؟!.. ده مجرم وإرهابى.. ده سفاح ده والا  شاعر؟!
لم أجد صدى ملموسًا لما كتبت وكتب غيرى.. وخاصة أنه كانت لى تجربة منذ سنوات أبعد من خلال فيلم تليفزيونى هو «محاكمة على بابا» الذى كتبت له السيناريو والحوار.. وناقشت من خلاله رفض طالب حفظ أشعار «البحترى» و«أبوتمام» اللذين ينافقان الحكام بالمديح إذا أجزلوا لهما العطاء.. وينقلبان إلى شتامين يهجوانهم هجاءً قاسيًا إذا ماكفوا أيديهم عنهما.. وقد عقد بعد عرض الفيلم مؤتمر عام لمناقشة المناهج وتطويرها.. لكنه للأسف لم يسفر عن شيء على الإطلاق..
أنه أليس من الغريب أن الذين يضعون المناهج الدراسية المختلفة لكل المراحل التعليمية  من مفتشى وزارة التربية والتعليم؟!.. أنا لا أعرف سببًا منطقيًا حتى الآن لعدم الاستعانة مثلًا بالشعراء الكبار أو نقاد الأدب المتخصصين لوضع مناهج النصوص والبلاغة والأدب.. وعدم الاستعانة بالأطباء النفسيين أو أستاذة علم النفس لوضع منهج علم النفس.. ولا لفيلسوف معروف لوضع منهج الفلسفة.. وأستاذ علم اجتماع لوضع منهج علم الإجتماع وهكذا.
لا تحديث إذًا بدون إعادة النظر فى المناهج بشكل كلى ولا تطوير دون نسف المسلمات العتيقة وأهمها تعمد إقصاء المتخصصين.