هل أضاع الجاسوس الروسى حق مريم المصرية؟
ماتت مريم مصطفى عبد السلام، الفتاة المصرية ذات الـ١٨ عاما التى كانت تدرس الهندسة فى بريطانيا، وكانت مريم قبل أيام، قد تعرضت لضربات مبرحة على رأسها وتم سحلها فى الشارع أمام المارة، فى جريمة اعتداء وحشية من فتيات بريطانيات فى مدينة توتنجهام (شرق وسط إنجلترا)، ولا تزال أسباب الجريمة غامضة، وازداد الغموض بعد دخولها المستشفى للعلاج، وما ذكرته والدتها عبر فيديو بثته على «يوتيوب» حول إهمال طبى تعرضت له ابنتها، تسبب فى نزيف فى المخ فاضطر الأطباء إلى إجراء 13 عملية خلال 10 أيام.
ماتت مريم، بعد ساعات قليلة من إعلان رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى (الأربعاء 14 مارس)، سلسلة عقوبات ضد روسيا، بينها طرد 23 دبلوماسيا وتجميد العلاقات الثنائية، معتبرة موسكو مسئولة عن تسميم جاسوس روسى سابق على أراضيها.
وربما لن ينتبه الإعلام البريطانى العتيد، لخبر وفاة مريم ولن يجتهد صحفيون إنجليز طالما تغنوا بإعلامهم ومهنيته، ليبحثوا أسباب موت فتاة مصرية بريئة، لأنهم منشغلون بتوريط روسيا فى جريمة تسميم العميل السابق سيرجى سكريبال (66 عاما) وابنته يوليا (33 عاما) فى سالزبيرى (جنوب غرب إنجلترا) بغاز أعصاب عسكري، تدعى الحكومة البريطانية أنه من صنع روسى، بينما تنفى روسيا علاقتها بالحادث.
المقارنة بين الجريمتين ستظلم مريم بالطبع، خاصة إذا عرفنا من هو سيرجى سكريبال بالنسبة للإخوة الإنجليز، فهو حاصل على وسام الإمبراطورية البريطانية عند تقاعده عام 2016.
وقد بدأ سكريبال عمله كعميل بالمخابرات الروسية مطلع التسعينيات من القرن الماضى، وفى عام 1995 قامت المخابرات البريطانية (MI6) بتجنيده لكنه تقاعد بسبب فشله وسوء حالته النفسية عام 1999. وبعد تولى فلاديمير بوتين مقاليد الحكم فى روسيا، عرضت عليه المخابرات البريطانية استئناف التعاون، حيث كان يستغل علاقاته الشخصية مع زملائه السابقين للحصول على معلومات سرية. لكن السلطات الروسية ألقت القبض عليه عام 2004، وأصدر القضاء الروسى الحكم عليه بالسجن لمدة 13 عاما بتهمة خيانة الدولة، لكنه فى يوليو 2010 تم تسليمه إلى بريطانيا فى إطار صفقة تبادل الجواسيس المعتقلين.
وفى 4 مارس الماضي، وجد سكريبال وابنته مغمى عليهما فى الشارع حيث عثر عليهما شرطى نتيجة تسميمهما بمادة مجهولة وتم نقلهما والشرطى إلى المستشفى وهم فى حالة حرجة، لكنهما بالطبع تلقوا رعاية طبية أفضل من مريم التى دخلت مستشفى أخرى قبلها بأيام، ويبدو أن بريطانيا التى يحج إليها مرضى العالم للاستشفاء فى كبرى مراكزها الطبية، عجزت عن إنقاذ مريم المصرية أو ربما تقاعست عن إنقاذها، وهو أمر يستدعى تدخلا مصريا سريعا حتى لا يضيع حق مريم، وتموت قضيتها ويطويها النسيان.
ولقد تحركت الدولة المصرية (ممثلة فى وزارتى الخارجية، والهجرة وشئون المصريين بالخارج) فور الحادث، وستكمل تحركاتها لحث السلطات البريطانية للوصول إلى مرتكبى جريمة قتل (مريم)، وألمحُ تحركا إعلاميا قوياً، لكنه (للأسف) موجه للجمهور المصرى، يقوم بشحنه عاطفياً، وهى شحنة ستزول بعد أيام ويختفى اسم مريم من اهتمامات المصريين، لهذا يجب أن يكون هناك تحرك أكثر تأثيرا فى الإعلام الدولى، وعلينا أن نستحث وسائل إعلام بريطانية لتقوم بدورها المهنى والإنساني.
وإذا كانت BBC قد انبرت قبل أسابيع، تبحث عن زبيدة وتدافع عن حق أمها فى الوصول إليها، بعد أن ادعت الشبكة الإخبارية الشهيرة فى تقرير لها أن الفتاة قد اختفت قسرياً، وهو ما نفته مصر دولة وإعلاماً، وفضحت زيف مهنيتها. فإنى أتمنى من زملائنا المصريين فى (بى بى سي) دفع قناتهم البريطانية لتثبت حسنة نيتها، ومدى مهنيتها، لعلها تستعيد قيمتها، وذلك بأن تتبنى قضية مريم، فتبحث أسباب الاعتداء عليها، وتسلط الضوء على الجناة وتحقق فى أسباب تقاعس الشرطة الإنجليزية فى القبض عليهم، وأخيرا، تكشف لنا حقيقة الإهمال الطبى الذى تعرضت له الفتاة المسكينة، وتسبب فى موتها.
رحم الله مريم، وألهم أسرتها الصبر.