الأحد 14 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
سيد درويش فى ميلاده: زورونى كل سنة مَرَّة!

سيد درويش فى ميلاده: زورونى كل سنة مَرَّة!


 يوافق اليوم 17 مارس، ميلاد الشيخ سيد درويش البحر، 126.
 كان هذا الشاب الإسكندرانى، الثورى، الطموح، معجونا  بالموسيقى، تتدفق من كل مكان فى جسده.. موهبة استثنائية، مصنوعة من ذهب، تتساقط منه أينما ذهب.
 اسمه «سيد درويش البحر»، وعند «البحر»، كان مولده. وهو فعلا، ابن البحر الوفى، الذى أخذ من الأمواج عنفوانها، وطزاجتها. ومن اللون الأزرق، أخذ سحر الشجن.
أحدث ثورة، فى الموسيقى العربية، شكلا، ومضمونا، ورسالة...
لم يخاصم التطريب، والارتجال، والزخارف، لكنه التزم بالتعبير البسيط عن اللحن...
قًلب المسرح الغنائى، رأسا على عقب، وجدد فى جميع ألوان، وقوالب الغِناء....
امتزجت ألحانه بالروح الوطنية المتمردة، وأول منْ دعا المرأة إلى النهوض،
وترك الخضوع والاستكانة على أنغام الموسيقى.... حملت موسيقاه أصوات كل الفئات والشرائح، والطوائف.... وسافر بعاطفة الحب إلى آفاق جديدة... أدخل الموشحات والموسيقى الكنسية فى نسيج اللحن... عشق الموسيقى الايطالية، خاصة الأوبرا... أول منْ استخدم آلات الأوركسترا الغربية فى الموسيقى العربية.. خلع الجبة والقفطان، ليصبح الشيخ المودرن، مزروعا فى التربة المصرية، وعصريا فى رؤيته وأمنياته.
سيد درويش، بحق أستاذ كل الأجيال المتلاحقة. لقد زرع حديقة واسعة، تنبت فيها مختلف أنواع الورود، والأزهار، وليحظى بعبيرها كل واحد، حسب موهبته، وطاقته.
إن محمد عبدالوهاب 13 مارس 1902 – 4 مايو 1991، نفسه الذى نعتبره فخر موسيقانا العربية فى العصر الحديث، يعترف بكل بساطة: «أنا درويشى حتى العظم».
 اعتزم سيد درويش، السفر إلى إيطاليا، ليتقن أصول التلحين للمسرح الغنائى. وفعلا، استطاع أن يجمع مبلغا من المال، مقابل بيع نصيبه فى بيته بجزيرة بدران – شبرا. وذهب ليقيم عند أخته فى الإسكندرية. وكان مشغولا فى إنهاء تلحين نشيد وطنى، لطالبات المدارس، احتفالا بعودة سعد زغلول، من المنفى، وتقول: « مصرنا وطننا سعدها أملنا ».
 وفعلا، عاد سعد زغلول من المنفى، وغنت له الطالبات نشيد الاستقبال. وفى وسط المشاعر الوطنية المتأججة، لم يكترث أحد بجنازة يمشى فيها، أربعة أشخاص فقط. وكانت جنازة الشيخ سيد درويش.
 وحتى اليوم، ما زال موت سيد درويش، فى 15 سبتمبر 1923، وهو فى عمر الواحد والثلاثين، مطروحا. كان التفسير الأول، الذى اعتمدته الأوساط الرسمية، هو سكتة قلبية، نتيجة جرعة زائدة من المخدرات. والتفسير الثانى، هو اغتيال الشيخ سيد، بالسم، لارتباطه بالحركة الوطنية، ضد الإنجليز، وأغنياته الثورية التى يرددها الناس، لبساطتها، وقوتها.
 وهذا تفسير، يدعمه، بعض من العائلة، وبعض الباحثين، والمؤرخين، والذين يطالبون بإعادة التحقيق، وتحليل الرفات، بالحمض النووى.
وتقوى حجتهم، أن السلطات الحكومية، بعد وفاة الشيخ سيد، رفضت السماح بتشريح الجثة، وأسرعت فى التحقيق، الذى أحاطته بالكتمان.
 أغنياته كلها، تحرك القلوب، والعقول. وهذا من دلائل النبوغ.. لكننى أحب جدا، « أنا هويت وانتهيت».. و«والله تستاهل يا قلبى».. و«ضيعت مستقبل حياتى»، «شد الحزام على وسطك».. «القلل القناوى».. «سالمة يا سلامة»... «ده وقتك ده يومك يا بنت اليوم قومى اصحى من نومك بزياداكى نوم».. «قوم يا مصرى».. «أنا المصرى كريم العنصرين».. «الشيطان».. «عشان ما نعلا ونعلا لازم نطاطى نطاطى».
 أما أغنية «أهو ده اللى صار»، فإننى لا أسمعها، إلا ويرتعش جسدى. واللحن الذى يبكينى، فى هدوء، ومعه تسافر روحى، إلى أعلى سحابات الشجن، والغربة، إلى درجة أننى من عشقى له، أتجنب الاستماع اليه، هو لحن «زورونى كل سنة مرة».
 اليوم فى ميلاده 126، أقدم له باقة من الورد. وأقول له: «يا شيخ سيد درويش البحر، لا تحزن... لا كرامة لنبى فى وطنه... وأنت باق خالد بالضبط مثل البحر».