
محمد جمال الدين
دستور الجنة والنار
كان من المفترض أن يكون هذا اليوم السبت الموافق 15 ديسمبر يوم عيد لكل المصريين ففيه سيتم تدشين أول دستور للبلاد عقب ثورة 25 يناير.. دستور يحقق أهداف الثورة الأساسية «عيش، حرية، عدالة اجتماعية».. ولكن بدلا من أن يجمعنا هذا الدستور فرق بيننا وبسببه أيضا سالت دماء المصريين من جراء قتلهم لبعضهم البعض وأصبح المشهد السياسى يتميز بانقسام حاد بين أبناء الوطن الواحد، فظهر بيننا من جديد من يدعى ويروج بأن من سيصوت بنعم على الدستور سيدخل الجنة، أما أصحاب لا فسيكونون من أهل النار، ما بين الجنة والنار تشتت ذهن المواطن البسيط الذى يسعى خلف قوت يومه، فهل يصوت بنعم حتى يضمن الجنة لأن التصويت بغيرها يدخله مع الكفره وأهل النار.. نفس هذا المواطن البسيط زادت فتاوى آراء النخب السياسية من تشتته، فلم يعد يستطيع أن يعرف رأى من وفتاوى من التى من الممكن أن ترشده أو تهديه إلى الطريق القويم، ولم يدر أن هذه النخب صاحبة هذا الرأى أو ذاك، لم تنظر إلا تحت أقدامها فقط، ولم تنظر للأمام أو لمصلحة هذا المواطن البسيط الذى استطاع البعض أن يسيطر عليه بكيلو زيت أو سكر أو بوظيفة له أو لابنه العاطل، وتناسى هؤلاء سواء بقصد أو بدون الوضع الاقتصادى الخطر الذى يحيط باقتصاد مصر من كل جانب وبدلا من الوصول إلى نقاط اتفاق تجمع ما بين الفرقاء أصبح همنا الأكبر معرفة كم عدد من استشهد من هذا الفريق ومن أصيب من الفريق الآخر للمتاجرة بها فى وقت آخر وأمام الرأى العام دون الأخذ فى الاعتبار حرمة الدم المسال الذى هو فى النهاية مصرى.. هذا الدم تحديدا وحالة الانقسام التى تعانى منها مصر حاليا هو ما جعل القوات المسلحة تسارع بتحذير جميع الأطراف من التمادى فى إراقته لما فيه من خطر على الأمن القومى وهو مالا يمكن أن تسمح به أبدا ودعت الجميع إلى الحوار والتوافق للحفاظ على هذا الوطن.
ولكن يبدو أن انعدام الثقة والخلافات بين القوى السياسية لم تتفهم مغزى ما حذر منه بيان القوات المسلحة، مما أدى إلى زيادة وتيرة الخلاف والانقسام فخرج من بينها من يحاصر مدينة الإنتاج الإعلامى ومن يطوق قصر الاتحادية ومن يمنع العمل فى مجمع التحرير ومن يحاول إيقاف مترو الأنفاق عن العمل، هذا بخلاف مظاهرات أمام مسجد رابعة العدوية وقطع لطرق وكبارى، فأصبحت ميادين وشوارع مصر حبلى بالأحداث الساخنة المصحوبة بالاستخدام المفرط للسلاح الذى أصبح فى متناول الجميع والذى أجزم بأنه لا يستطيع أحد أن يحدد لنا متى سينتهى.
صحيح أن مواد الدستور المستفتى عليها اليوم بها العديد من نقاط الاختلاف لهيمنة فريق واحد فى صنعه وتعد بمثابة ألغام لابد من إزالتها قبل إقرارها عن طريق القانون الذى سيشرعه مجلس النواب القادم والذى لم تتم مناقشاته نظرا لضيق الوقت والاستعجال الذى تميز به الدستور ولم يتح للمواطنين الفرصة الكافية لاستيعاب ومعرفة ما به من مواد ونقاط خلاف، فإن الأمر المهم والذى لا سبيل غيره يتطلب مناقشة هادئة وعادلة لتلك المواد سواء كانت نتيجة الاستفتاء بنعم أم لا، لأن ترك هذه المواد على ما هى عليه يعد بمثابة اعتداء على حق من عارضها، ولا يمكن من خلالها إقامة دولة المؤسسات التى سعينا إليها عقب ثورة يناير.
إن دستور الجنة والنار الذى يستفتى عليه شعب مصر اليوم قد يكون له ماله، وعليه ما عليه ألا أن كل مادة فيه قابلة للنقاش والتعديل فى حالة إذا ما أراد الرئيس مرسى ذلك.
أما الأمر الذى يعد خطيرا وجديرا بالبحث والدراسة قبل إعلانه على الناس بكل صراحة وشفافية فهو الخاص بالحديث الدائر الآن وبشدة على ألسنة أعضاء تيار الإسلام السياسى عن المؤامرة التى تحاك ضدهم وضد الرئيس نفسه ونظام حكمه، ففى مكتب هذا المحامى اجتمع فلان وفلان وفى هذا الفندق جلس علان. وحرق مقرات الحرية والعدالة يأتى فى إطار خطة منظمة والاعتداء على بعض الشخصيات السياسية هدف الفلول وكأن ليس هناك أمن أو أجهزة سيادية تكشف حقيقة هذه المؤامرات التى يجب أن يخرج علينا من يتحدثون عن هذه المؤامرة ليصارحوا الشعب بها لنعرف حقيقة ما يدور حولنا.
هذه المؤامرات وغيرها جعلت تيار الإسلام السياسى يعلن الجهاد لحماية الشرعية، فالجماعة مستعدة لتقديم الملايين كشهداء فى حالة اقتحام قصر الاتحادية، ونفس الأمر سيحدث فى مدينة الإنتاج الإعلامى الذى هدد المعتصمون أمامها باقتحامها فى حالة اقتحام قصر الرئاسة.. وشبابنا جاهزون للدفاع عن أنفسهم وعن مقرات حزبهم ولن نسمح للبلطجية وفلول الوطنى بفرض رأيهم علينا.. جميعها إعلانات جهادية سعى إليها البعض لمجرد أن هناك من عارض وطبقا لما يقتنع به الإعلان الدستورى الذى سبق وأن أصدره الرئيس وكذلك الدستور الذى أنتجته جمعية تأسيسية، يرى البعض أنها غير شرعية فتحول مفهوم الجهاد لدى قوى هذا التيار إلى الجهاد ضد عدو الدين وليس عدو الوطن، هذه الإعلانات الجهادية والاعتصامات ومظاهرات الميادين كان من الممكن ألا تكون موجودة أصلا لو لم تتأخر مؤسسة الرئاسة فى التدخل بشأنها والوصول إلى حلول ترضى الجميع، فشهداء هذه المصادمات من الجانبين كلاهما مصرى كما سبق وأن أوضحت.
سيادة الرئيس إن الانقسام الذى تعانى منه البلاد سيصيب الجميع ولن يصب أبدا فى مصلحة فريق دون آخر وسيزيد الأوضاع اشتعالا.. وبقليل من الحكمة والنظر لمصلحة البلاد دون غيرها من المصالح يمكن أن نطفئ هذه الفتنة.. فلتكن نتيجة الاستفتاء سواء كانت مؤيدة للدستور الجديد أو المعارضة له بداية لمرحلة جديدة يتوحد فيها أبناء الوطن لأنك من بيدك الحل ومصير البلاد وبدون أى تفضيل لفصيل على فصيل آخر.