
وائل لطفى
شهداء ونبلاء
قولا واحدا، فإن أروع وأنظف ما فى مصر هم شهداؤها، كانت تلك حقيقة فى الماضى وظلت حقيقة فى الحاضر وستبقى حقيقة فى المستقبل، أما الأكثر نبلا وإنسانية وإثارة للوجع وللفخر أيضا فهو أمهات الشهداء، أكتب بعد ساعات قليلة من بداية الندوة التثقيفية السابعة والعشرين، ما زال صوت أم الشهيد أحمد زهران يرن فى أذنى، نبرة الإيمان والتسليم وهى تحكى، الموسيقى التى تسكن كلماتها، تدفقها وهى تحكى المواقف والصور التى جمعتها بابنها الشهيد.. أتأمل صورتها وأقول لنفسى إنها ما زالت شابة على أن تكون أما لشهيد، أعيد تأمل الصورة وأقول إنها تماثلنى فى العمر تقريبا، أقول لنفسى إننى أنا الذى كبرت، أضع نفسى مكانها فيرتجف القلب وجلا.. أروع ما فى كلامها ليست العواطف الجياشة التى انفجرت بداخلها وفجرتها بداخلنا، أروع ما فى كلامها هو نصوص الحوارات التى دارت بينها وبين ابنها الشهيد.. تصميمه على أن يدخل الكلية الحربية رغم أنه ابن وحيد، استنكاره لخوفها من أن يستشهد وسؤاله الاستنكارى لها حين أبدت خوفها الطبيعى من أن يستشهد (هو الاستشهاد وحش)؟ و(هى أرض مصر متستاهلش استشهد علشانها)؟، ما تقوله أم الشهيد زهران غايه فى الأهمية، يقول ببساطة إن أبطالنا ليسوا شهداء الصدفة، ولا الإرغام، ولا القضاء والقدر.. يقول إنهم قدموا أرواحهم طائعين بإرادتهم الحرة.. لم أحارب من قبل، لكن لدى يقين أن أحدا لا يستشهد فى قتال.. إلا إذا كان هذا قراره.
نفس الإحساس انتبانى وأنا أستمع إلى كلمه زوجة الشهيد العقيد أحمد محمود شعبان، وأنا أستمع أيضا إلى قصة بطولة المقدم أحمد هلال.. أستمع لقصص البطولة والفداء ويرضينى ويشرفنى تماما أن أكون جنديا فى الصف الذى يضم هؤلاء، يشرفنى أن أكون فى المعسكر الذى يضم الشهداء والأبطال، لكننى أخجل وأغضب تماما حين أرى فى الصف بعض المتسللين من منافقى كل العصور ونفايات العصر الماضى، هؤلاء الذين تسلل بعضهم هنا أو هناك، لا يمكن أبدا أن يكونوا فى صف واحد مع الشهداء، والأبطال،والذين قدموا أرواحهم عن طيب خاطر من أجل أن يبقى هذا البلد واقفا على قدميه.. كلمة واحدة من أم شهيد هى أفضل عند الله وعند الشعب من مقال يكتبه واحد من مخلفات الماضى الأسود، أو ظهور فضائى لمنافق عجوز، ليس لدى رغبه فى الإساءة إلى أحد لكننى أرى أن الصف الذى يتسع لهؤلاء لا يجب أن يضم هؤلاء.. أستمع لأمهات الشهداء فأثق فى المستقبل، وأثق فى مصر، وأثق فى أن بلدا تضم أشخاصا بكل هذا النبل ستمضى إلى الأحسن بكل تأكيد.