
محمد جمال الدين
الموت داخل عربة قطار
بعد حادثة قطار البحيرة الأخيرة، ومن قبلها بساعات حادثة قطار دشنا.. هل بات علينا نحن المصريين أن نسلم بأن حوادث القطارات فى مصر أصبحت من المسلمات، التى بسببها تزهق أرواح العديد من الضحايا البسطاء ممن شاء حظهم العاثر أن يستخدموا هذه الوسيلة فى تنقلاتهم.
للأسف مسلسل هذه الحوادث يتكرر بين الوقت والآخر، وبنفس السيناريو والإخراج، ونخرج منه بعد مشاهدته بنفس النتيجة، دون حدوث أى تغيير، اللهم الاختلاف فى عدد الضحايا بين حادث وآخر.. وعقب ذلك نرى ونشاهد أيضا نفس الإجراءات، حيث تسارع الحكومة من جانبها ممثلة فى هيئة سكك حديد مصر، والنيابة من جانب آخر بطلب تشكيل لجان فنية من كبار مهندسى الهيئة أو من أساتذة كليات الهندسة، لمعرفة سبب الحادث وتقديم تقارير تحدد من تسبب فيه للتحقيق معه، وكذلك فى البرلمان تقدم نفس الأسئلة وطلبات الإحاطة أو حتى الاستجواب لمحاسبة المسئول عن الحادث.. كما تسارع وزارة التضامن الاجتماعى فى تحديد مبلغ مالى للمتوفى ومبلغ آخر للمصاب، حتى يصل الأمر إلى تقديم البعض للمحاكمة بتهم الإهمال أو غيرها من التهم الجاهزة فيما يخص هذه الحوادث، التى لا تختلف كثيرا عن تصريحات المسئولين الجاهزة أيضا حال وقوع الحادث.. يتم هذا وسط وعود من جميع من بيدهم الأمر بعدم تكرار مثل هذه الحوادث، التى تصاحبها تصريحات بتحديث كل ما يخص السكك الحديدية فى مصر وجعلها أكثر أمنا.. وعلى الرغم من جل التصريحات الوردية التى اعتدنا عليها، إلا أن حوادث القطارات فى مصر لاتزال فى مرحلة عرض مستمر، ولم تفلح الحكومات المتعاقبة على مر الزمن فى القضاء عليها، والنتيجة الطبيعية والحتمية لاستمرارها تنحصر فى نزيف الدم الذى لا يتوقف بين البسطاء الذين يستخدمون هذا المرفق فى التنقل بين ربوع المحروسة. صحيح أن حوادث القطارات ليست حكرا على مصر فقط، حيث يقع العديد منها فى مختلف دول العالم مسفرة عن وقوع ضحايا ومصابين، إلا أن الأمر عندنا يختلف نوعا ما، فهى تتكرر عندنا بسبب تقادم الجرارات وباقى العربات بالإضافة إلى قلة الصيانة وعدم المتابعة والمراقبة السليمة لما يتم سواء فى ورش الصيانة، أو أثناء سير القطار فى رحلته، لدرجة وجود «شيشة» فى كابينة أحد القطارات، لزوم المزاج للسائق ومساعده حتى يستكمل رحلته بسلام، أضف إلى ذلك عدم توافر الإمكانات المادية لتطوير المرفق طبقا للنظم الحديثة المتبعة فى دول العالم، هذا بخلاف التقاطعات والمزلقانات العديدة غير الشرعية، والتى تعترض حرم السكك الحديدية فى مصر «حادث قطار أسيوط عند مزلقان قرية المندرة الذى أسفر عن وفاة 48 طفلا وطفلة». تكرار حوادث القطارات فى مصر لم يلفت ولو للحظة نظر المسئولين ولم يتم تداركها والسعى إلى القضاء عليها، بل إنها تزداد يوما بعد آخر، ونظرة ولو عابرة لأغلب المزلقانات تؤكد أنها ليست سوى مصائد للموت لاعتمادها على العنصر البشرى الذى غالبا ما يكون غير مؤهل ولعدم اعتمادها وتطويرها وفقا للتكنولوجيا الحديثة المعمول بها فى هذا الشأن، كما أن أغلب القطارات التى تعمل لخدمة نقل البسطاء لا تلقى الصيانة اللازمة أو العناية بها من ناحية النظافة والخدمات، مع الأخذ فى الاعتبار أن العمر الافتراضى لأغلب العربات انتهى منذ زمن.
حوادث القطارات فى مصر أثبتت بما لا يدع أدنى مجال للشك أن يد الإهمال والتسيب طالت جميع مرافق مصر بما فيها مرفق السكة الحديد، الذى بدوره نال من مواطنين بسطاء يبحثون عن وسيلة نقل تتحملها جيوبهم أثناء بحثهم عن الرزق أو حتى العلاج.. الرحمة والحنو على بسطاء مصر أمر مطلوب وضرورى حتى لا يشعروا بالغربة فى وطنهم.