«لاظ شقلباظ» بين تركى «بجم».. وتركى «هجم»
تأخَّرَت مصر كثيرًا فى قرارها المحترم، بحذف اسم «سليم الأول»، أحقر سلاطين الأتراك، من أبرز شوارع حيِّ الزيتون القاهري، الذى كان وجود اسمه على أحد الشوارع المصرية.. كارثة تستحق أن يُحقَّق فى تاريخها، إذ إن الشعوب المحترمة لا تخلِّد مستعمريها ولا تمنحُهُم فرصة البقاء، إلا إذا كانت شعوبًا مريضة تستمتع بسيرة جلاديها، وظنِّى أننا - المصريين - أبعد ما نكون عن ذلك.
كل التحية لمحافظ القاهرة المهندس عاطف عبد الحميد، على قراره الجريء الذى صحَّح المسار، وردَّ الاعتبار لكرامة الشعب المصرى من «سليم العابس»، بحسب وصف الإنجليزُ للسلطانَ الغازى «سليم الأول القاطع»، تاسع السلاطين العثمانيين وأوّل من لقَّب نفسه بـ«أمير المؤمنين» من آل عثمان.. حَكَم الدولة العثمانية بين عامى 1512 و1520م، ووصل إلى عرش السلطنة بعد انقلابٍ قام به على والده «بايزيد الثاني»، بدعم من الإنكشارية وخاقان القرم، ونجح بمؤازرتهم فى مطاردةِ إخوته وأبنائهم والقضاء عليهم، وقد لقَّبَه الفرنساويون بـ«سليم الرهيب».
وقد انتصر على المماليك فى مرج دابق، واستولى على سوريا، ثم توجَّه لمصر، وفى 23 يناير «كانون الثاني» عام 1517، دخل سليم الأول القاهرة فى موكب حافل وأحاط به جنوده وهم يحملون الرايات الحمراء «شعار الدولة العثمانية»، وباغته طومان باى «خليفة الغورى سلطان المماليك» وجيشه بهجمات مُزلزِلة فى منطقة «بولاق»، قبل أن يطلق الجنود العثمانيون النيران على المصريين، ويقتلون ما لا يقل عن 50 ألف نسمة، وبعدها أمر سليم الأول بقتل طومان باى شنقًا بباب زويلة.
وجاء قرار المحافظ الشجاع متزامنًا مع تصريحات عبثية من وزير خارجية تركيا، مولود جاويش أوغلو، حول الاتفاق المبرم بين مصر وقبرص بترسيم الحدود البحرية بين البلدين، حيث نقلت وكالة أنباء «الأناضول» التركية «شبه الرسمية» عن أوغلو قوله إن تركيا «تقدمت بطلب لرفض الاتفاقية بين مصر وقبرص»، وقد رَدَّت الخارجية المصرية عبر المتحدث الرسمى للوزارة، المستشار أحمد أبوزيد، الذى قال: «إن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص لا يمكن لأى طرف أن ينازع فى قانونيتها، إذ إنها تتسق وقواعد القانون الدولى وتم إيداعها كاتفاقية دولية فى الأمم المتحدة»، وحذّر أبوزيد من أى محاولة لـ«المساس أو الانتقاص من حقوق مصر السيادية فى تلك المنطقة»، مؤكدًا أن مصر تعتبر ذلك «أمرًا مرفوضًا وسيتم التصدى له».
الهجوم التركى على مصر لا يتوقف، ولم يكتفِ أردوغان وشِلَّتُه بإيواء ودعم مجموعات إرهابية تسعى لقلب نظام الحكم فى القاهرة، فلا يفوتون فرصة للتحرش بمصر ومحاربتها، وقصة الحدود مع قبرص، تفضح أطماعه وتكشف حقارتهم، فقبرص نفسها مرتبطة باتفاقات مشابهة لترسيم حدودها البحرية مع إسرائيل عام 2010، ومع لبنان عام 2007، ولم تعترض تركيا على هاتين الاتفاقيتين، فلماذا عندما فعلتها مصر، تذكَّرَت تركيا أنها تحتل الجزء الشمالى من قبرص، وأن لها حقًّا فى مياه قبرص الإقليمية؟!
إنه الحقد الدفين فى قلوب «الأردوغانيين» الأتراك، الذين برع عمنا الراحل صلاح جاهين فى وَصفِهم فى قصيدته المعنونة بـ«تركى بجم»، التى يقول فى كلماتها: «تركى بجم.. سِكِر انسجم، لاظ شقلباظ.. اتغاظ هجم، أمان.. أمان.. تركى بجم»، والتى لَحّنها الشيخ سيد مكاوى وغَنَّاها بصوته الشجي، ليخلِّد سخرية المصريين من الأتراك.
وأخيرًا، أتمنَّى أن يكون طَرْد السلطان «العابس» سليم الأول من الشارع المصري، هو بدايةَ حملة لتطهير شوارع وحوارى الفكر المصريِّ من شوائب عثمانلية علقت به بفعل خمسةِ قرونٍ من الاستعمار التركى الغادر، وفى هذا السياق أتمنَّى أن تُصدِر الهيئة الوطنية للإعلام قراراً بمنع عرض المسلسلات التركية على أى شاشة مصرية، كخطوة أولى لأنها تمثل غزوًا فكريًا وهيمنة خفية على العقل المصري.
يجب أن نعامل تركيا باعتبارها عدوًّا، فهى ثالث أضلاع الطمع فى مصر والمنطقة العربية مع إسرائيل وإيران، وهى أكثرها بجاحة ولا تستحى أن تكشف دوماً عن وجهها القبيح.