معضلة الرئاسة ومخاوف المستقبل
انزعج البعض (والعبد لله منهم) من صَخَب مفاجئ أفسد هدوءًا وركودًا ارتضيناه لحياتنا السياسية، تقديرًا لحال البلاد وحربها المستمرَّة والمستعرة مع الإرهاب، وأملًا في أن تنتعشَ حياتُنا الاقتصادية وتظهر ثمار التنمية التي تُروِّج لها الإدارة المصرية، وتبشِّر بنتائجها القريبة، فانخرطنا - عموم المصريين - في همومنا الصغيرة، واكتفينا بالمشاكسة في توفير الحد الأدنى من سُبُل العيش، مصدقين لقول الرئيس السيسي الذي كرره مرارًا، وأكَّدَه أخيرًا في افتتاح الإنتاج المبكر لحقل «ظهر» للغاز الطبيعي، بأن الاستقرار والأمن وثبات المصريين وراء ما يتمُّ إنجازه من مشروعات تنمية مختلفة، والذي اختَتَمَه بعبارة موحية: «غير كده هايبقى فيه ضياع».
لكننا فى العشر الأواخر من شهر يناير الحائر، الذى أبى أن يمرَّ هذا العام دون أن يلقى بظلاله الثورية على مصر، خصوصًا بعد أن اختارت الهيئة الوطنية للانتخابات الفترة من 20 إلى 29 من هذا الشهر، لتكون فترة الترشُّح لانتخابات رئاسة الجمهورية، توقفنا جميعًا أمام تفاصيل ما حدث فى المشهد الانتخابي، وشعرنا بالقلق الذى تصاعد مع الأحداث ليصبح فزعًا على المستقبل، وهو شعور تكرر كثيرًا فى السنوات الأخيرة مع كل اقتراب من منصب «رئيس الجمهورية».. حَدَث ذلك فى نهاية عهد مبارك وأوصَلَنا إلى أيام يناير 2011 بكل ما تحمله من ذكريات مُفرِحة ومُزعِجة، من بعدها تفَجَّرَت الأوضاع بالكامل فى مصر، حتى اختطفت جماعة الإخوان قصر الحكم فى الاتحادية، وضحَّى المصريون «شعبًا وجيشًا» لاستعادته فى يوليو 2013، ولا يزالون يسددون فواتير التضحيات حتى اليوم.
المؤسف أن تبقى معضلة الرئاسة بلا حلٍّ، وأظنُّها جريمةً أن نبقى صامتين على ذلك، وننتظر لحظة جديدة تنفجر فيها الأوضاع وتتعرض مصر لأخطار لا تحتملها، ربما تُطمئِنُنى -لحظيًّا- كلماتُ الرئيس السيسى القوية، التى صاغها بـ«جدعنة» ابن بلد، قائلًا: «اللى عايز يخلص من مصر ويضيعها لازم يخلص منى الأول، أنا أروح.. بس الميت مليون يعيشوا»، هل تكفى هذه الكلمات لتبدد المخاوف؟ أم أن علينا بعد أن تهدأ عواصف الانتخابات، الجلوسَ لنتدارسَ معًا ونفكِّر جديًّا فى المستقبل القريب والبعيد، أظن أنه هكذا تُدار الدولة، كما أَلَحَّ الرئيس فى حديثه الأخير، وإذا كان قد حذر: «إوعوا يا مصريين، محدش ياخدكم فى سكة»، فإن عليه وفق صلاحياته كرئيس جمهورية أن يوفر المناخ الذى يمنع ذلك، خصوصًا مع معرفته بطبيعة الشعب المصري، وإدراكه للمخاطر التى تحاصر البلاد، فهو الأجدر بأن يصوغ رؤية واضحة لا تحتمل اللبس لمستقبل سياسى واضح يليق بمصر.
مصر تنتظر، وتتمنى من الرئيس السيسى فى فترة حكمه الثانية، التى ستكون الأخيرة وفق الدستور الحالي، أن يضمن لها انتقالًا سهلًا للسلطة وتداولًا صحيحًا لمنصب رئيس الجمهورية. وهو أمر حتميّ حدوثُهُ حتى لو تم تعديل الدستور بمُدَدٍ أخري، والأحرى بنا ألا يقودنا منافِق أو عابِث أو طامِع لمثل «تعديل الهوانم» الذى جرى فى عام 1980، ومَنَح الرئيس السادات مددًا أخرى فى الحكم، وحَرَمَه من مجدٍ سياسيٍّ محقَّق لو منع هذا التعديل، كما كان سيوفر على مصر مشقةَ انتظارٍ طويلٍ ومرير، وقد تمنينا أن يكتفى الرئيس مبارك بسنوات الحكم التى قضاها ويحميَ تاريخَه المشرِّف من الضياع، ويسمحَ بانتقالٍ سَلِسٍ للسلطة، كان سيوفر على مصر ما خسرته فى السنوات السبع العجاف التى مَرَّت عليها منذ سقوطه الإجبارى فى 2011، وكان يقدر بهدوء فى آخر مدده الرئاسية، أن يحل معضلة الحكم ومشكلته المزمنة.
إن الصراحة والمكاشفة التى عهدناها فى الرئيس السيسى تُجبِرنا أن نبوح له بمخاوفنا، ونتطلع إلى أن يكون هو صاحب الحلِّ بما يمتلكه من وطنية وشجاعة فى مواجهة الصعاب، فقد تحمل أعباء مسئولية البلاد فى وقت هرب فيه الكثيرون من أى منصب عام، وتقدَّم الصفوف ليقود الوطن نحو الأمل، ومعه رددنا وحلمنا بأن #تحيا_مصر وتتغير إلى الأفضل، وفقه الله لما فيه خيرنا.>