
محمد جمال الدين
هل بات الفساد أخطر من الإرهاب؟!
((أنا لست صاحب مصلحة ألا تكون مصر هى الدولة الأولى عالميًا فى مكافحة الفساد ))، هذه هى الجملة التى قالها الرئيس (السيسي) بعد احتلال مصر المرتبة 108 ضمن 176 دولة حسب تقرير مؤشر مدركات الفساد لعام 2016 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية ببرلين، بالمناسبة وهى الجملة الحلم التى تراود كل مصرى ومصرية، من شرفاء هذا الوطن لمحاربة الفساد، الذى بات يؤرقهم ليل نهار، لولا جهود بعض أجهزة الدولة الرقابية، التى لا يستطيع أن ينكرها أحد، والتى تسعى بكل جهدها للقضاء على الفساد، الذى تربع وتمدد فى العديد من أجهزة ومؤسسات الدولة، ففجأة ودون سابق إنذار شهدت مصر الوزير الفاسد، والمحافظ الأكثر فسادًا، مرورًا بنائب الوزير ومستشارة ونائبة المحافظ ورئيس الحى ومسئول الضرائب والجمارك، وانضم إليهم وللأسف البعض من القضاة ومسئولين فى الجمارك ومصلحة الضرائب، جميعهم يرتعون فى يمٍّ من الفساد، ولم تمنعهم مناصبهم ومسئولياتهم وأسرهم من ارتكاب الفساد بعمد وإصرار غير مسبوق، وبالطبع دق باب الفساد وبقوة عقل الموظف الصغير الذى يرى رئيسه يمارس الفساد فى جل مراحل عمله، وإعمالا للقول الشهير (إذا كان رب البيت..) فلماذا تأتى المصلحة حتى باب منزله ونقول له قف مكانك، من هنا يتضح أن بداية سلسلة الفساد التى تبدأ من المسئول الكبير وصولاً إلى أصغر موظف تعد من أخطر ما تتعرض له مصر من الدول والجماعات التى تتحدى المجتمع المصرى، بل إن خطر الفساد يكاد يتساوى مع خطر الإرهاب الذى يحصد خيرة شبابنا، إن لم يكن يتفوق عليه، لتهديده أمن واستقرار البلاد داخليًا، على يد من يمكن أن نطلق عليهم بأنهم أبناء لهذا الوطن.
السؤال هنا والذى يفرض نفسه بقوة: لماذا انتشر الفساد فى مصر إلى هذه الدرجة؟ ولماذا انضم إلى حزبه البعض من مسئولى الدولة الكبار مثل الوزراء ومستشاريهم والمحافظين ونوابهم وبعض رجال القضاء؟، أعتقد من وجهة نظرى أن السبب فى ذلك يعود إلى الضعف الواضح فى التشريعات التى تمنع محاسبة مثل هؤلاء الفاسدين، لتمتعهم بالحصانة التى توفرها لهم مناصبهم القيادية التى يتولونها فى الدولة، وبالتالى لا تتم محاكمتهم أمام المحاكم العادية، ألم نر ونسمع كيف تاجر نواب البرلمان فى تأشيرات الحج، وما صاحب ذلك من تصريحات بإجراء تحقيقات لإجلاء الحقيقة، وحتى الآن لا نعلم ما هى نتيجة التحقيقات، أم أن البرلمان كفى عليها (ماجور) النسيان، ثم تأتى بعد ذلك المشاكل الأزلية التى يعانى منها القطاع الإدارى فى الدولة، بما فيه نمط الخدمة الحالى، الذى لا يفصل بين طالب الخدمة وبين الموظف أو المسئول الذى يقدمها له، فمن المعروف للقاصى والدانى أن أغلب دول العالم تتجه الآن إلى الاعتماد على فكرة الحكومات الإلكترونية، التى تمنع الاحتكاك المباشر بين الخدمة وطالبها والموظف الذى يقدمها، مما يحد بل يمنع العديد من الجرائم التى تحدث بسبب هذه العلاقة، ولأن طريقة العمل المتبعة فى الدولة ومؤسساتها لا تعمل بهذا النظام، ارتفعت معدلات جرائم الرشوة، واستباحة أموال الدولة وتخصيص ما هو ليس حقًا من أراضيها لبعض المنتفعين من هذا النظام دون وجه حق، يحدث هذا فى ظل غياب تام للشفافية المقترن بالضعف الواضح فى منظومة تبادل المعلومات بين أجهزة الدولة وبعضها البعض، مما يؤدى إلى ضعفها الواضح فى أداء واجبها على الوجه الأكمل، هذا بخلاف ضعف النفوس والطمع فى كسب المال من قبل هؤلاء المسئولين، حتى ولو كان عن طريق غير مشروع، لهذا وذاك نطالب بوجود قانون رادع يمنع انتشار الفساد ويتلافى سلبيات القانون الحالى الذى يقف عاجزًا أمام هذه الظاهرة السلبية، التى أثرت بشكل واضح على فرص الاستثمار فى مصر.. وأخيرًا نأتى بعد ذلك لدور المواطنين الذين يساهمون بصورة أو بأخرى فى تنامى الفساد بعدم إبلاغهم عن المسئولين الذين يطلبون رشاوى مقابل قضاء خدماتهم، هؤلاء لابد أن يعتبرهم قانون مكافحة الفساد المزمع إقراره شركاء فى جريمة الفساد فى حالة عدم إبلاغهم بجريمة الموظف أو المسئول، لأنهم بدورهم يتسببون فى وقوع الضرر على المجتمع ويهدرون قيمه وآدابه، بتشجيعهم للفساد والفاسدين.
لهذا ولغيره كثير أوجه تحية من القلب لكل جهاز رقابى يعمل بكل جهد ونشاط للقضاء على الفساد فى مصر.. حفظ الله مصر من الفسده والفاسدين.