الجمعة 25 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ائتلافات 25 يناير

ائتلافات 25 يناير


كنت ولاأزال أرى أن ثورة (25) يناير التى رفعت شعارات الحرية والعدل والكرامة الإنسانية هى ثورة الطبقة المتوسطة التى جاءت من أجل التعبير عن أحلام بسطاء الوطن الذين يمثلون أغلبيته البائسة فى حياة أكثر عدلًا وإنسانية. . إن الظلم وانعدام العدالة الاجتماعية والشعور بالفوارق الطبقية نتيجة الثراء الفاحش فى مقابل الفقر المدقع والتناقض الحاد بين قاهرة الفقراء وقاهرة الأغنياء.
أقول إن هذا الظلم الاجتماعى مضاف إليه تفشى الفساد هما المقدمة المنطقية التى أدت إلى ثورة شعب يعيش ملايين منه بالمقابر والعشوائيات.. بينما ينعم فيه اللصوص بنهب ثروات الوطن وأراضيه فأتوا على الأخضر واليابس.. وليس أدل على ذلك من أن الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم فى الميدان هم أبناء البسطاء الذين يحلمون بالعدالة الاجتماعية أهم أهداف تلك الثورة التى حاول الكثيرون وقتها من المتحذلقين والمثقفين الحنجوريين إضاعة ملامحها وتغيير مسارها فى حوارات توافقية عقيمة ترفع لافتات وشعارات أخرى ملتبسة ومتداخلة عن الدستور أولًا أم الانتخابات.. الحيرة بين «المواطنة» و«الطائفية».. الدولة «المدنية» أم «الدينية» .. «نعم» المؤمنة.. أم «لا» الكافرة.. وهكذا.. وظل المتناحرون سنوات يتراشقون فى معارك كلامية طاحنة كل منهم يناضل نضالاً مستميتًا من أجل أن ينسب الثورة إليه..
وانتشرت الائتلافات مشكلين جميع الاتجاهات والأشكال.. والألوان.. وتكوين ائتلاف لا يستدعى بذل أى جهد أو مال.. ولا حتى تسجيل بالشهر العقارى.. فقط الاستيقاظ مبكرًا قبل أى منافس ليسبقه فى استقطاب عشرة أشخاص للانضمام إلى الائتلاف.. وهكذا أصبحت الائتلافات تقدر بالمئات وتتحصن بمجموعة من المصطلحات» مثل (فلول - آليات - مواءمات - توافق - تشظى - متحولون - على خلفية - بمرجعية - تشرذم - دسيسة - أجندة.. إلخ).
وقد حضرت الكثير من ندوات بعض تلك الائتلافات، وأذكر ندوة منها بدأها الصحفى المخضرم الذى ينظمها صائحًا بصوت جهورى هادر: إن أوجاع الوطن المثخن بالجراح واجه قبل الثورة وبعدها إرهابًا أسود وطائفية كريهة.. فما الأسباب والدوافع والنتائج فى إطار الأيديولوجيات المختلفة وعلاقة السلفيين بأطياف التطرف المتأسلم و..؟
وقاطعه فى غضب جامح شاب نحيل عضو بائتلاف شباب الثورة:
ولماذا تذكر السلفيين ولا تذكر المتشددين دينيًا من المسيحيين ؟!
قال الصحفى مدير الندوة معلقًا:
لا بأس.. لا بأس.. سوف يحسم الأمر سؤال حتمى أطرحه على حضراتكم: هل الأحداث الطائفية.. طائفية فعلاً؟!
ثم صاح بثقة وحسم رجل ملتحٍ.. بنبرة هادئة ساخرة:
إنى أرثى لحالكم أيها المثقفون الذين يغمزون ويلمزون فى محاولات بائسة للربط بين الإرهاب وتيارات الإسلام السياسى.
إنكم تقعون فى تناقض كبير، حيث إنكم ترفعون شعار الديمقراطية.. لكنكم لا تعملون به.. فإذا كان الشعب هو صاحب الحق الأصيل فى اختيار حكامه وصاحب الحق فى اختيار المنهج والبرنامج الذى يعبر عن طموحاته.. ومن ثمّ فقد قال الشعب كلمته فيما يتعلق بالإخوان الذين احتلوا (88) مقعدًا بالبرلمان لأن شرعيتهم يستمدونها من الشعب حيث إنه من أصول الديمقراطية الحكم للشعب.. إن غزوة الصناديق انتصرت لـ«نعم» المؤمنة.. ضد «لا» الكافرة.. أليست هذه هى الديمقراطية التى تتشدقون بها؟!
تجاهل صوت ناصرى.. ما قاله الإخوانى.. وأكد أن «الإرهاب» يستهدف توجيه ضربة قاصمة إلى الدولة المصرية بكل أبنائها دون استثناء.. إنه الاستعمار والإمبريالية العالمية وعميلتها «إسرائيل».
عندئذ هتف ماركسى عتيد مستنكرًا:
أى استعمار يا أخ.. لسنا فى زمن «عبدالناصر» الذى..
قاطعه  الناصرى فى حماس مواصلاً دون أن يتوقف عند اعتراضه:
إن العدالة الاجتماعية التى حققها «أمير الفقراء» عبدالناصر.. ونجاحه فى تذويب الفوارق بين الطبقات والتفاف المصريين حوله فى مشاريع قومية كالوحدة العربية.. والتحول الاشتراكى.. أو توجه سياسى فكرى لإرساء دعائم دولة مدنية لا مكان فيها لتدخل الخطاب الدينى.. أو الدولة الدينية فى الاعتداء على الدستور الذى يدعم صفوف المواطنة.. إنه بمجرد نظرة خاطفة إلى الشارع المصرى الآن.. سوف تدركون أن الإرهاب «صناعة ساداتية» ولدت ونمت وترعرت فى عهد «السادات» ثم..
انتفض «ساداتي» يصيح مقاطعًا..
بل إن الإرهاب وليد ديكتاتورية قمعية ضد الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان.. لقد نما الإخوان تحت الأرض فى الحقبة الناصرية وأفرخوا فى عصرنا السعيد هذا كل الأطياف الدينية المتطرفة التى أفرزت إرهابًا متناميًا.. صاح الرجل الملتح فى غضب:
بل هو «المخلوع» الذى نكل بالجماعة تنكيلاً غير مسبوق.. ألم يقل فضيلة المرشد أن الله اختار يوم (11) فبراير ليسقط فيه «حسنى مبارك» لأنه اليوم الذى يوافق ذكرى اغتيال «حسن البنا»؟!
تصاعدت حدة المناقشات وتطورت للأسف الملاسنات بسرعة إلى اشتباكات بالأيدى والأرجل.. وتطايرت المناضد والكراسى وتناثرت، مما استدعى فى النهاية تدخل الأمن وتم نقلى مصابًا فى رأسى بإصابة بالغة إلى المستشفى.>