الثلاثاء 8 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البابا فى السيرك

البابا فى السيرك


خبر صغير بثّته وكالات الأنباء العالمية، استوقفنى وأخذ عقلى بعيدا عن صخب الحياة، وذكّرنى بحلم قديم يراودنى منذ الصغر ولا أملك الوقت والإرادة لتحقيقه، وسؤالٍ صعب جاهدتُ مؤخرا فى البحث عن إجابة شافية له، ولم أجدْها.
أما الخبر، فهو دعوة البابا فرنسيس عددا من الفقراء لقضاء يوم فى سيرك «ميدرانو» على مشارف روما، وذلك فى أحدث بادرةٍ منه تجاه الأشخاص الذين يعيشون على هامش المجتمع، منهم المشردون واللاجئون ومجموعة من السجناء وأطفال الأسر الفقيرة والمتطوعون ومقدمو الرعاية، وقد بلغ عدد المدعوين 2100 شخص، وكان البابا قد أنشأ فى السنوات القليلة الماضية أماكن قرب الفاتيكان للمشردين من أجل الاستحمام وتصفيف الشعر والحلاقة.
كما نظّم الفاتيكان، فى نوفمبر 2017 اليوم العالميّ الأول للفقراء، بمشاركة نحو 7000 محتاج ومهمّش، وقال البابا فى قُدّاس أقيم بهذه المناسبة فى كاتدرائية القديس بطرس: «الدينا مواهب، نحن موهوبون فى نظر الله. وبالتالى، لا يستطيع أحد أن يظنّ أنه غير مفيد، ولا يستطيع أحد أن يقول إنه فقير إلى حد يمنعه من تقديم شيء للآخرين» وأضاف: «فى ضعف الفقراء تكمن قوة إنقاذية. إذا كانت أهميتهم لا يُعتدّ بها فى نظر العالم؛ فإنهم الذين يفتحون لنا طريق السماء» ثم تناول البابا الغداء على أنغام الموسيقى مع 1500 فقير فى إحدى قاعات الفاتيكان.
ولكن ماذا عن «حلمي» الذى عطّله الزمن؟ وما هو «سؤالي» الحائر؟
أرجو ألا تندهش من أن هذا الحلم هو الذهاب لـ«السيرك» مثل بابا الفاتيكان وفقرائه، وأرجو ألا تدفعك السخرية لأن تقتبس بتصرُّف عبارة عميد المسرح العربى يوسف وهبى، وتقول لي: «ما الدنيا إلا سيرك كبير»، مستبدلا بكلمة «مسرح» فى عبارته الأصلية، كلمة «سيرك» فى واقعنا الحالى، لأن تشبيه حياتنا بالسيرك سيجرُّنا من جديد إلى عبث الحياة، ويُبعدُنا عن الحلم ويحوّلُه إلى كابوس.
فعلا، أتمنّى القيام برحلة ممتعة إلى السيرك المصرى (الحقيقي)، أو الذى دُرج على تسميته بــ«السيرك القومي» والكائن على كورنيش (العجوزة) فى خيمة مهيبة، ما زالت تثير خيالى كلما مررْتُ أمامها، وقد تكرر المرور ما يزيد على الألف مرة، وفى كل مرة تمنيتُ الدخول، لأستمتع بهذا الملعب الشعبى المستدير (وفق التعريف اللغوي)، الذى يمنحه البهلوان والمهرج ولاعب الحبال الحيوية والبهجة، بينما تثير الحيوانات المدرّبة، وفى مقدمتها الأسد، المتعة والرهبة فى أرجاء حلبة السيرك، التى بقيت على امتداد عمرى، حلما مؤجلا.
أما السؤال الذى لم أجد له إجابة، فهو يتعلق بمؤسساتنا الدينية (إسلامية ومسيحية)، ودورها المفقود فى خدمة المجتمع، وحلّ مشكلاته المزمنة، وفى مقدمتها الفقر. وكيف أنه، رغم هوس الخير الذى يهيمن على وجداننا كمصريين، ويتجلّى فى الظهور فى مناسبات شتى (مثل رمضان)، فإننا لم ننجح حتى اليوم فى تنظيم الصفوف وتوحيد الجهود لتقديم طروحات مناسبة، وتحقيق دوْر ملموس فى مساعدة الفقراء والمحتاجين، خصوصا بعد عام 2017 (الحزين)، الذى أسقط ملايين من أهل مصر تحت خط الفقر، بعد ضغوط اقتصادية تهدف إلى إصلاح هيكل الاقتصاد المصرى، وهو ما أكده اللواء أبوبكر الجندى، رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، موضحا أن «نسبة الفقر ترتفع على الرغم من أن الدعم يستحوذُ على نسبة كبيرة من الموازنة».
إن العوز والفقر يضرب البلاد شمالا وجنوبا، ومظاهرات الفقر تجتاح محيطنا الإقليمى، من إيران إلى السودان، ولن تتوقف عند تونس، فهل نطمح فى دور ناضج من مؤسساتنا الدينية فى مساعدة الفقراء، حتى لو كان بزيارة (يتيمة) للسيرك المصرى أو حتى الروسى؟! 