
محمد جمال الدين
معركة الاتحادية.. وكشف المستور
هل هانت علينا مصر إلى هذا الحد للدرجة التى يصل فيها الأمر إلى إراقة دماء بعضنا البعض؟! وهل أصبحت لغة القتل والبلطجة هى اللغة الوحيدة التى بتنا نفهمها؟ بعد أن اختفت بيننا لغة الحوار والتوافق التى صدعنا بها البعض منذ قيام ثورة 52 يناير، فهذا يوافق وذاك يرفض وضاع بينهما رجل الشارع العادى الذى يكد من الصباح وحتى المساء لتوفير قوت يومه.. إن ما يحدث الآن وما يجرى فى الشارع ليس سوى الفتنة التى باتت أشد وأخطر من القتل.
والسؤال الآن هل ما يحدث حاليا فى مصلحة مصر وشعبها؟
المؤشرات والنتائج التى أفرزتها الثورة منذ بدايتها وحتى الآن تنذر بالخطر.. وإلا فمن يستطيع أن يفسر لى كيف سمحنا لأنفسنا أن يمارس البعض منا كل أنواع التهديد والقتل والبلطجة لقضاة المحكمة الدستورية الذين تم منعهم من دخول مقر عملهم؟
هناك أمثلة ومؤشرات أخرى للتهديد والوعيد يمارسها ضدنا قادة جماعة الإخوان الذين يصرحون جهارا نهاراً بأنهم سيلقنوننا دروساً فى الكفاح والجهاد لإصلاح حال المجتمع الذى يضم بين فئاته العلمانيين «الكفرة»، كما وصفهم المدعو وجدى غنيم، ولكن هل الجهاد فى سبيل الله وتأديب الكفرة لإعلاء الدين الإسلامى ينتظر إشارة من هؤلاء القادة الذين خرج من بينهم الرئيس مرسى لتقول «إدينا يا مرسى الإشارة واحنا نجيبهملك فى شيكارة».
المؤسف أن الجماعة ومن ينتمون إليها من أعضاء وأعوان ساهمت بشكل مؤثر فى إراقة دماء المصريين يطالبوننا «بلم الشمل» عقب كل مصيبة يضعوننا فيها.. طالبنا الرئيس مرسى بذلك عندما صرح فى ميدان التحرير بأنه سيكون رئيسا لكل المصريين، لكنه لم يطبق قولته هذه عندما وقف بين أنصاره وقوى تيار الإسلام السياسى الأخرى أمام قصر الاتحادية، فبدا الأمر وكأن من يقفون فى ميدان التحرير ليسوا من المصريين، وطالبنا بها الكتاتنى عقب توليه رئاسة حزب الحرية والعدالة، حينما قال إن الحوار والتوافق بين جميع القوى السياسية هو السبيل الوحيد لإنقاذ البلد من الأزمة التى ألمت به، إلا أن تصريحات وهتافات قيادات حزبه وتياره التى ترددت بقوة فى مليونية الشريعة والشرعية كانت عكس ما صرح به تماما.
إن ما فعلته قوى تيار الإسلام السياسى أمام قصر الاتحادية يوم الأربعاء الماضى كشف نواياهم وما يبطنونه ضدنا نحن شعب مصر، فضرب النساء قبل الرجال هو ما يتبنونه، وقتل وإصابة الرجال سيكون مصيرهم لو حاول أحدهم أن يعترض على ما تفعلونه «واللى مش عاجبه يشرب من البحر»، فلم يعد هناك قضاء يستطيع أن يلجأ إليه أى صاحب حق بعد نظرية «التحصين» لمخترعها الرئيس مرسى، وبالتالى أصبح البقاء للأقوى كما صرح مسئول كبير فى مؤسسة الرئاسة، الغريب أن كل هذا يحدث تحت سمع وبصر الرئيس الذى أكد لنا من قبل أنه رئيس لكل المصريين، فلم يرتجف له جفن، ولم «يوجعه» قلبه عندما شاهد القتلى والمصابين بين أفراد شعبه، ولم يشعر سيادته كأب وليس كرئيس بشعور آباء وأمهات القتلى والمصابين فى معركة الاتحادية. رغم أن الرئيس نفسـه طالبنـا بأن نحب بعضنا ولكن ما طلبه شىء وما تفعله جماعته شىء آخر، فلا يمكن أن تطالبنا بحب بعضنا وعشيرتك تقتل وتصيب بعضنا الآخر أمام قصر الاتحادية، وكأن الشعب المصرى كتب عليه أن يتذكر بل يعيش موقعة جمل جديدة.
سيادة الرئيس إن سياسة شريعة الغاب والبقاء للأقوى التى تنتهجها جماعتك لن تجدى مع الشعب المصرى وهى بالمناسبة نفس السياسة التى كان يسير عليها مبارك وحزبه الذى قام نفس هذا الشعب بخلعه وإزاحته عن عرشه، ولهذا لم يعد يصلح مع هذا الشعب الكلام عن النهضة والحرية والديمقراطية التى تبشرنا بها جماعتك.. أما الكلام الذى ترددونه أيضا عن البناء ودولة المؤسسات والقانون التى تسعون لإقامتها فيؤسفنى أن أقول لك:
إن قوى تيار الإسلام السياسى الذى تنتمى إليه هم أول من هدموه وضربوا به عرض الحائط، وللتذكرة فإن ما حدث مع السلطة القضائية لخير دليل على ما أقول.
سيادة الرئيس أنا مؤمن أن قراءة التاريخ مهمة، فمن خلالها يستطيع الحاكم والمحكوم أن يعرف كيف تتصرف الشعوب وقت المحن والأزمات فى حالة إذا ما كان لدى سيادتكم أصلا وقت للقراءة.