
هاني عبد الله
صفعات «بوتين» الـ7 لإدارة «ترامب»!
فى سياق تحليله لواقع التعاون [المتزايد] بين «القاهرة»، و«موسكو»؛ قال «ماثيو سبينس» (Matthew Spence) ، نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكى «السابق» لسياسة الشرق الأوسط [نهاية نوفمبر الماضي]: إنّ السلطات الأمريكية تُحدث «فراغًا» بمنطقة الشرق الأوسط.. وعندما تنسحب «الولايات المتحدة»، لا يُمكننا أن نظل أسرى للانطباع القائل بأنّ «العالم» سيقف لينتظرنا.. فالخطر [والواقع، أيضًا]، هو أنّ الدول الأخرى ستستفيد من تلك «الفُرصة»، عندما تنزوى «واشنطن» بعيدًا.
وأكثر ما كان يشغل بال «واشنطن» من شأن هذا التعاون؛ هو أن يمتد التنسيق بين «القاهرة»، و«موسكو» لـ«المجالات الجوية» بالشمال الإفريقى.. إذ سيتطلب هذا الأمر [من الناحية العملية]، التنسيق- أيضًا- بين «موسكو»، و«واشنطن».. ومع ذلك.. اكتفى «إدجار فاسكويز» (Edgar Vasquez)المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، بالتعليق قائلاً: «نهتم كثيرًا بما يتردد فى هذا السياق.. ونراقب الوضع عن كثب»(!)
وفيما كانت تُراقب «واشنطن» الوضع عن كثب (!).. كان أن واصلت «موسكو» [فعليًا] تحركاتها الداعمة لزيادة تأثيرها بمنطقة الشرق الأوسط.. فى مقابل تقليص «الدور الأمريكي»، الذى طالما ظل مُسيطرًا على الساحة، منذ سبعينيات القرن الماضى.. وهو ما تم تتويجه بزيارته «الثلاثية» الأسبوع الماضى، لكلٍ من: «القاهرة»، «دمشق»، «أنقرة»، فى أعقاب قرار الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» بالاعتراف بـ«القدس» كعاصمة لإسرائيل، مما أسهم - بالتبعية - فى مزيد من العزل لـ«سياسات الولايات المتحدة» بالمنطقة.. فضلاً عن إثارة تحفظات شركائها الأوروبيين (!)
بحسب خبرات سنوات «الحرب الباردة» بين كل من الولايات المتحدة، و«الاتحاد السوفيتي»؛ تُدرك «واشنطن» جيدًا أنّ «الحرب الدعائية»، وسياسات «صناعة الثورات» التى نجحت من خلالها فى تفكيك الاتحاد [السابق]، تُمثل جزءًا [محوريًا] من سياسات «موسكو» الحالية؛ لاستعادة نفوذها «المفقود» بمنطقة الشرق الأوسط.
.. وتأسيسًا على دراسة حديثة صادرة عن مؤسسة «راند» (RAND) حول التأثير «السيكولوجي» للانطباعات الأولى، وأنها أكثر صمودًا من غيرها [ومن الصعب تبديلها]؛ دافع عددٌ من المتخصصين فى «شأن السياسات الروسية» بأنه يتعين على «إدارة ترامب» استثمار المزيد من الموارد للتصدّى لـ«الجهود الدعائية»، التى يقوم بها الكرملين (قناة «روسيا اليوم» نموذجًا).. إذ تسعى «الدعاية الروسية» - وفقًا للرأى الأمريكي! - إلى زرع الشكوك فى سياسات «واشنطن» الخارجية.. وفى منطقة الشرق الأوسط [تحديدًا]؛ تُغذّى الدعاية الروسية فكر المؤامرة، مستغلةً الميول السائدة إلى هذا الفكر بالمنطقة (!).. وعوضًا عن البقاء فى «موقع الدفاع» بصورة دائمة؛ يتعين على «الولايات المتحدة» أن تجد وسيلتها [البديلة] لخلق الانطباعات الأولى (!)
وانطلاقًا من «التوصية» السابقة [وغيرها من التوصيات الأمريكية]؛ يُمكننا استشراف جزء كبير من سياسات المواجهة [المرتقبة] بين «واشنطن»، و«موسكو» على مساحات النفوذ بمنطقة «الشرق الأوسط».. إذ تتلخص تلك السياسات، فى الآتي:
(أ)- اتخاذ موقف المبادرة «الدعائية» فى مواجهة «النفوذ الروسي»؛ لخلق حالة من «الانطباعات الأولي» بين شعوب المنطقة، تخدم - على المديين: القريب، والبعيد - سياسات «واشنطن» بالمنطقة ذاتها.
(ب)- التشكيك فى قدرة «بوتين» على أن يكون شريكًا فى مكافحة الإرهاب.. وتغذية الاتجاه القائل بأنّ سياسات «موسكو» لا تعمل على تصفية «البؤر الإرهابية» بقدر ما تستهدف تقويض «النفوذ الغربي» وإضعافه.
(ج)- يجب أن يقتصر التواصل بين «المسئولين الأمريكيين»، و«بوتين» على منع وقوع نزاع عسكرى.. إذ إنّ التوفيق سيُحقق نتائج عكسية.. ولا يستجيب بوتين بإيجابية؛ إلاّ عندما يعمل المسئولون الأمريكيون من موقع قوة.
(د)- التواجد، والتداخل بفعالية [أكبر] فى قضايا الشرق الأوسط (دبلوماسيًا، وعسكريًا).. إذ يُمكن للقوات البحرية الأمريكية أن تزيد من زياراتها إلى مرافئ المنطقة [خصوصًا فى شرق المتوسط]؛ من أجل تعزيز التصورات الخاصة بأنّ «واشنطن» تدعم حلفاءها إلى النهاية، ولا تتراجع عن الدفاع عنهم.
(هـ)- لن تُسفر «الاستراتيجيات العسكرية» وحدها، عن تحقيق أهداف «واشنطن» بالمنطقة.. ومن ثمَّ.. على البيت الأبيض أن يُكثف من تحركاته الدبلوماسية؛ دعمًا للتوجهات الأمريكية العامة.. كما أنه ليس من الضرورى تأمين الموارد اللازمة للدبلوماسية الأمريكية فقط؛ بل توجيه «الدبلوماسيين»؛ للتصدّى بنشاط للخطوات الروسية فى المنطقة أيضًا.
(و)- سد الثغرات التى استغلها «بوتين» فى منظومة التحرك الأمريكى بالمنطقة [على غرار ما حدث بالملف السوري].. واللجوء إلى «سياسة الفعل» [لا رد الفعل].. إذ اعتبر الرئيس الروسى أنّ الغرب لا يُحرك ساكنًا إزاء تحركاته، أو اتخاذ خطوات جادة للرد على تحركاته.
(ز)- على «واشنطن» أن تُغير من نظرتها [التقليدية] نسبيًا للرئيس الروسى، وأنه يفكّر على المدى القريب [فقط].. إذ استطاع الاستمرار فى السلطة لنحو 17 عامًا.. فنقطة ضعف بوتين [الرئيسية] تطفو على السطح، عندما يستعيد «صانعو السياسات الأمريكية» القيادة بقوّة.
لكن.. أكثر ما يُمكن أن يكشف عنه مضمون محاور المواجهة [السبع] السابقة؛ هو أنّ «بوتين» نجح فى إحداث 7 اختراقات [أساسية] فى منظومة السياسات الأمريكية بمنطقة «الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» (M.E.N.A) إذ يأتى فى مقدمتها:
(1)- تجاوز عقبة «الدعاية الأمريكية»، التى خلفتها سنوات المواجهة مع الاتحاد السوفيتى (السابق)، والتى أثمرت عن تفكك الاتحاد نفسه، فى تسعينيات القرن الماضى.
(2)- استغلال تراجع «الولايات المتحدة» بالمنطقة؛ لملء الفراغ الذى أحدثه هذا التراجع.
(3)- الوصول إلى مرحلة «الفعل» [المؤثر]، وعدم الاستسلام لحالة «رد الفعل» التى بلغت ذروتها منذ تفكك الاتحاد السوفيتى.
(4)- ترسيخ صورة «العجز الأمريكي»، و«برجماتية سياسات واشنطن» تجاه حلفائها بالمنطقة.
(5)- استعادة دور «الدبلوماسية الروسية» (لا التواجد العسكرى فقط)، وتداخلها مع قضايا المنطقة.
(6)- اجتذاب مزيدٍ من الحلفاء بالشرق الأوسط، وإحداث نوع من التوازن المطلوب [مرحليًا]، فى مقابل سياسات «القطب الواحد».
(7)- الخروج من صورة «رجل الأمن القوي» إلى واقع «رجل الاستخبارات» القادر على وضع استراتيجيات بعيدة المدى.
.. وهو ما انعكس - يقينًا - على سياسات «موسكو» الحالية، التى باتت تُمثل رقمًا [مُهمًا] فى توازنات منطقة «الشمال الإفريقي» (خاصةً فى الوقت الراهن).