الأربعاء 16 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
هل أصبحت الجلسات العرفية بديلا للقانون ؟!

هل أصبحت الجلسات العرفية بديلا للقانون ؟!


 عندما نتحدث عن ( هيبة الدولة) واحترام القانون .. فلابد أن يتراجع - تمامًا - الحديث عن (الجلسات العرفية) أو الاحتكام إليها فى  حفظ (السلم الاجتماعى)
لكن.. فى ظل (بطء القانون) تصدرت ( الجلسات العرفية) المشهد، فى بعض  الأحيان، أملاً فى الخروج من الأزمات المتتالية.
نعم.. قد تنجح هذه الجلسات فى إعادة الحقوق وحل العديد من الخصومات سواء فى وجه قبلى أو بحرى ، ولكنها أيضا تفشل بدرجة كبيرة فى حل الخصومات التى تندلع بسبب أحداث وفتن طائفية.
 ولهذا فإن البعض من هذه الجلسات العرفية تشهد ضياعًا للحقوق بعد أن تحولت بقدرة قادر من محاكم أو جلسات عرفية إلى (مجالس زور) أو كما يحلو للبعض أن يطلق عليها (مجالس أكل الحقوق).
 لهذا لم يكن مستغربا لى أو لغيرى أن يخرج علينا نائبان من مجلس نوابنا بتصريحات خاصة بشأنها.. أحدهما يقول فيها (محمد أبو حامد) : إن وجود الجلسات العرفية فيه اعتداء على الدستور والقانون، وبوابة للظلم وإهدار لحقوق المواطنين، وغالبا ما ينتج عنها أحكام جائرة، وأوضح (أبو حامد) أنه ينبغى أن يكون جميع المواطنين سواء أمام الدستور والقانون، وأن فى ظاهرة الجلسات العرفية اعتداء على العدالة وتشجيعًا على الممارسات خارج نطاق القانون، مشيرًا إلى أنه يعد مشروع قانون يجرم فيه هذه الجلسات، من ناحية أخرى قال النائب (عمر حمروش) أن هذه الجلسات تعد وسيلة تساعد على استقرار المجتمع وإنهاء الخصومات الثأرية بصفة عاجلة، (لا أدرى عن أى مجتمع يتحدث عضو مجلس النواب).. مشيرا إلى أن البعض يلجأ إليها حقنا للدماء، وخشية طول أمد القضايا فى المحاكم.
 وأشار (حمروش) إلى أن الجلسات العرفية تكون فى إطار العرف والشرع، لافتا إلى أن الشريعة أجازت الدية بمختلف أنواعها فى القتل، ولفت إلى أنه ينظر أليها بأنها أكثر وسيلة فعالة لإنهاء الخصومة، ولكن لا يعنى ذلك أن من حق أى شخص التصرف فى حق الدولة..  تصريحان كلاهما (يضرب) أو يناقض الآخر.
 وكأن مصر ناقصة تناقضات وانقسامات، فى الوقت الذى تطل فيه الفتنة الطائفية برأسها بين الوقت والآخر خصوصا فى صعيد مصر، والتى بسببها أهدرت حقوق وتعرضت بعض الأسر المسيحية للتهجير القسرى من منازلهم، بل وحرم عليهم أداء الصلاة فى كنائسهم، وهو أمر قاس وغير إنسانى لأن فيه اعتداء واضحًا وصريحًا على حق إنسان مصرى فى معتقده الدينى وفى اختيار مكان إقامته بعد هذه الجلسات، التى تضم بعضها محكمين يستغلونها فى التقرب من صاحب المال أو السلطة للحكم بغير كلمة الحق.. وفى هذا إهدار حقيقى لمبدأ المساواة بين أفراد المجتمع الواحد للطرف الأضعف فى الخصومة.
 وللأسف يتم هذا تحت علم ورعاية الأمن المنوط به تنفيذ القانون بدلا من حمايته للضحايا الذين تنتهك حقوقهم، لدرجة وصل معها الأمر إلى إقامة هذه الجلسات بمقار أقسام الشرطة ومديريات الأمن، مما يزيد من حالة الاحتقان الطائفى، التى سمحت بوجود تيار متشدد أعطى لنفسه الحق فى تعريفنا بما هو حلال وما هو حرام وتدخل فى أمور ليست من اختصاصه أو من شأنه أساسا.
كل هذا يحدث فى ظل غياب تام من مؤسسة الأزهر التى تمثل الإسلام الوسطى المعتدل، وللحقيقة فإن عقد هذه الجلسات يتعارض بشكل واضح مع ما نصت عليه المواثيق الدولية الموقعة عليها مصر، والدستور المصرى أيضًا، بحق أى مواطن فى محاكمة عادلة، وبمرور الوقت تحولت هذه الجلسات إلى ما يشبه النظام القضائى الذى ينافس نظام العدالة الرسمى، وأصبح الصلح العرفى بوابة لهروب البعض من تنفيذ القانون، وذلك لما تتضمنه هذه الجلسات من فرض الجانب صاحب الحضور القبلى والعشائرى القوى لشروطه، وهى الشروط التى وصلت فى بعض الأحيان إلى النص صراحة على عقوبات لمن يستخدم حقه الدستورى والقانونى فى اللجوء إلى القضاء لجبر الضرر.
لذلك لم يعد خافيا على كل من بيده الأمر فى مصر أن هذه الجلسات ما هى إلا وسيلة يتم من خلالها تأجيج الفتن والصراعات فى المجتمع، لذلك نحذر من كارثة ستدفع مصر ثمنها غاليا، طالما تواجد بيننا من سمح بوجودها أصلا فى حياتنا، مما أعادنا إلى الأخذ بنظام حكم القبيلة مرة أخرى، بعيدا عن القانون الذى غلبنا عليه نظام العرف والتقاليد.
على الرغم من اعترافنا الكامل بأنها قد تصلح فى قضايا مثل خيانة الأمانة والضرب والإصابة الخطأ وتكون ملزمة للمحكمة، ولكنها لا تصلح فى بعض القضايا مثل القتل العمدى والاغتصاب وهتك العرض، هذا بخلاف أن محكمة الجنايات لا تلتزم بأى جلسات عرفية، وليس لها قيمة أمامها، لذلك يظل السؤال مطروحا: هل الجلسات العرفية يمكن أن تصبح بديلا للقضاء ؟.